المطلوب إصدار ترخيص يسمح لهذه المؤسسة التي اعترفت بها الدولة وشهدت لها بالكفاءة في الأداء والفعالية في حسن الإنجاز, أن تستطيع إعطاء شهادة تقدير لكل طالب انتظم في الدورة لأجل معلوم, استطاع خلالها الطالب أن ينافس أقرانه ويحوز على رضا مدرسيه ويحظى بالدرجة التي تؤهله أن يكون ذا شأن وخبرة في المجال الذي عقدته الدورة لطلابها ووعدتهم أن سيكون لهم شهادة تأهيل وتقدير, وعندما وصل ملف المؤسسة للجهة المعنية بإصدار الترخيص, أخذ موظفو تلك الجهة يمعنون النظر في الملف يقلبون الأوراق ويشبعونها حملقة، فما إن ينتهوا من الحملقة فيها حتى يجدوا أنفسهم مدفوعين بقوة غريزية متأصلة في نفوسهم قد ضربت أطنابها في أعماق نفوسهم المريضة تلح عليهم أن يبحثوا ويجدوا في الطلب بحثاً عن«نواقص» في الملف فيقضون الساعات وربما الأيام بحثاً عن ورقة ناقصة أو جملة غائبة في رسالة أو عبارة غامضة لم يستطيعوا فهمها بسبب قلة خبرتهم أو ضعف مستواهم اللغوي أو رداءة مؤهلهم الدراسي, فهم من أجل ذلك يجهدون أنفسهم أشد الجهد فإذا بهم وقد فرحوا بذلك أشد الفرخ واغتبطوا أشد الاغتباط لأنهم وجدوا بعد جهد جهيد أن هناك ورقة ناقصة أو كلمة غير مفهومة أو عبارة عجزت أفهامهم القاصرة أن يستوعبوا معناها.. خلاصة الأمر أن أمثال هؤلاء الموظفين لايجدون السعادة ولا الثقة في أنفسهم إلا إذا وجدوا مايبرر عرقلة المعاملة بين أيديهم, حتى وإن كان ذلك المبرر وهماً أو عجزاً في فهم مايجدونه مسطوراً في الملفات الواصلة إليهم فهل تريد أن تستمع إلى أحدهم وهو يتباهى أمام«شلة» من الزملاء جمعهم القات في دار أحدهم على مائدة الغيبة قال: تسلمت الملف من المدير نفسه وقال لي انظر فيما إذا كان الملف مستوفياً أم به نواقص, فأخذت على عاتقي من أول وهلة أن أبحث عن«النواقص» وأقسمت بحياة «أمي» أن لابد أن أجد «نواقص» من أي نوع, سواءً كانت ورقة أو جملة أو عبارة فلم يستقر لي قرار حتى وجدت «ما أريد» فدخلت عند المدير فرحاً مبتهجاً «بالنواقص» التي توهمتها, لكن المدير بدلاً من أن يشكرني ويقدر جهودي نظر إليّ نظرة استخفاف واستهجان قائلاً:الملف لم ينقصه شيء وكل البيانات المطلوبة موجودة وليس هناك أي أهمية للبيانات التي ذكرتها في تقريرك عن الملف إلا إذا أردت عرقلة إكمال المعاملة بأعذار واهية, فاحذر يافتى من هذا الأسلوب في التعامل, لأنك بذلك تسيء لسمعتنا جميعاً وتفسد على نفسك أن تبني حياتك على الإخلاص والدقة في الأداء.. أقول لكم بصراحة: كانت إهانة مابعدها إهانة, فوجدت نفسي كأنني فأر صغير يبحث عن مخرج لي من أي شق في الأرض أو في الجدار, لكنني مع للأسف لم أجد ذلك المخرج، نشف ريقي وجفت لساني فانسحبت من أمام المدير مخذولاً مدحوراً , مكلّلاً بالخزي والعار لايختلف حالي عن ذلك الطائر الذي دخل متباهياً بريش الطاووس لكنه خرج منتوف الريش والجناح.. قال له أحد الزملاء: لقد حصل لك ذلك لأنك لم تكن مخلصاً في عملك ولم ترد بذلك الفعل تحري الصدق والبحث عن الحقيقة, بل أردت كشف عورة الجهة صاحبة الملف, فأبى الله إلا أن يكشف عورتك, فأنت لم تكن تبحث عن بيانات ناقصة وإنما تبحث عن أوهام للتعجيز وعرقلة المعاملة إرضاء لمركب النقص الذي يعاني منه الكثيرون من صغار الموظفين وقد يصادف مركب النقص هذا المديرون أو من هم أعلى منهم في السلم الوظيفي, ولذلك فإن الناس على مستوى الأفراد والهيئات والمؤسسات تعاني أشد المعاناة من هذه التعقيدات التي تتحدث عنها ياحضرة الزميل البائس. انتفض صاحبنا- الزميل البائس- انتفاضة من لدغته عقرب قائلاً: أرجوك: هذب ألفاظك لاتقل بائساً.. استمع إلى بقية القصة لتعلم من هو البائس.. لقد أخذت الملف وقررت أن أحسم قضية الملف حسبما أريد أنا وليس كما يريد المدير أو غير المدير.. أخفيت الملف حتى لايراه «الجن الأزرق» وأخذت على عاتق استلام رسائل الاحتجاج الواصلة إلينا من المؤسسة صاحبة الملف بحيث لايعلم عنها سواي, فاضطريتهم أن يرسلوا ملفاً ثانياً ثم ثالثاً وقد كان من السهل علي أن أعبث بالملفات الجديدة وانتزع منها بعض البيانات, وكنت أجد متعة كبيرة عندما كنت أرى المدير حائراً أو محتاراً يحاول أن يتذكر أنه قد عرض عليه ملف مشابه, لكنه لم يعد يتذكر كل التفاصيل وهاهو الآن يعترف لي بالكفاءة لأن هناك بيانات ناقصة وكلاماً مبتوراً, فلا يخرج الملف إلا وعليه ملاحظات المدير بأن البيانات غير مستوفاة وهناك نواقص كثيرة تحتاج إلى إكمالها, فيعود الملف الرابع إلى أصحابه, بعد أن يكونوا قد يئسوا وشعروا بالإحباط وقرروا أن يبحثوا عن إمكان التخلي عن المشروع برمته, أما إذا كانوا مصرين أن يحصلوا على موافقة الوزارة بإعطاء الترخيص فعليهم أن يستعملوا آلية أخرى وطريقة مختلفة.