لم يعد في اليمن من يحفظ أسماء المنظمات والجمعيات لان سرعتها في التكاثر تكاد توازي معدلات الزيادة السكانية، فلقد أصبحت وسيلة من لا وسيلة له، بل في أحيان كثيرة وجدناها تتحول إلى السلاح الأشد فتكاً، الذي بفضله يستطيع المرء تسوية كل أموره، وازاحة كل عقبة من طريقه حتى لو كانت هذه العقبة هي القانون نفسه، لان من يمتلك منظمة يصبح فوق القانون. بعض الناس البعيدين عن عالم «المجتمع المدني» يعتقدون أن انشاء منظمة مسألة معقدة وتتطلب مهارات ومؤهلات ومواصفات خاصة، ومستمسكات قانونية.. لكن هؤلاء المساكين لا يعلمون أن مثل هذه الأمور - وبفضل الحرية والديمقراطية - أصبحت أكثر سهولة من تسديد فاتورة الكهرباء، وتستغرق وقتاً أقصر بكثير جداً.. فالأمر لا يتطلب أكثر من ربع ساعة من وقت التخزينة تكتب فيها بياناً تقول فيه أن «جمع غفير» من المثقفين والناشطين والشخصيات الاجتماعية عقدوا اجتماعاً «لتدارس أوضاع البلد» وأنهم قرروا تأسيس منظمة «لانقاذ الوطن» من الهاوية، ثم جرى انتخاب فلان - الذي هو أنت - رئيساً، ولا داعي لأي اسماء أخرى. وبعد أن تكتب كل ما تتمناه أن يحدث في بلدك كأهداف المنظمة ما عليك سوى ارسالها على عناوين الصحف والمواقع، ولن تمضي ساعة إلا وقد أصبحت شخصاً مشهوراً والكل يتحدث عن منظمتك، فهناك عشرات المواقع المفلسة لديها استعداد لنشر كل ما يردها حتى لو كان قادماً من الجن. ولكي تصبح مشهوراً في أقصر وقت ما عليك سوى تعلم البذاءة والامعان في الكذب والشتيمة، وكتابة بيان عن أي شيء يعجبك، فلن يأتي صباح اليوم التالي حتى تجد الداعمين يطرقون بابك.. وكلما كان خطابك أشد بذاءة وكذباً ونفاقاً كلما ازداد عدد الداعمين. وما دمت تبحث عن الشهرة والثروة فمن الخطأ الاعتماد على الداعمين وحدهم، بل بادر إلى البحث عن فاسد واصدر بياناً شديد اللهجة والبذاءة بحقه أو بحق مؤسسته حتى لو كانت حكومية وهو سيأتيك زحفاً ملبياً كل أمنياتك.. وإن فوجئت بأحد من الشرفاء يعرقل معاملتك فلا تنسى أنك تمثل منظمة ناطقة بلسان 52 مليون يمني - بمن فيهم الذين مازالوا في أرحام أمهاتهم، لذلك أمسك ورقة وقلماً واكتب بياناً مسيئاً لسمعته واترك الباقي على أصحاب المواقع الالكترونية والصحف، فهم سيتكفلون بفضحه حتى في دول الجوار. كما لا تقلق من شيء فالغالبية العظمى من أصحاب المنظمات هم مثلك لا يعترفون بقانون ولا القانون يعاقبهم، ولا يوجد من يسأل أحداً من مثيري الشغب والفتن باسم الدفاع عن الحقوق أين ترخيص منظمتك ؟ هذه الفوضى شقت طريقها بفضل قوى سياسية تدفع باتجاه تسفيه الحياة الديمقراطية في اليمن وإشاعة الفوضى الخلاقة التي هي وحدها تحميهم من طائلة ما تقترفه أيديهم من تخريب واعتداءات وانتهاكات.. وإذا ما استمر المجتمع المدني على النحو الحالي فلا يستبعد احدكم ان وجد في بيته منظمة تطالب بطرده، فالسفاهة الديمقراطية تبيح المحظور.