منذ حين وكعادته توّج صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أيام الشارقة المسرحية بمسرحيته التاريخية «الإسكندر الأكبر» والتي تناولت سيرة حاكم وقائد تمرّغ في اتون الحروب المستديمة وتحرك بجيوشه شرقا ًوغرباً ليلقى مصيره المحتوم عند تخوم بابل. الإسكندر الذي لم يوفّر أحداً في فتوحاته ومعاركه الدائمة لم يدرك أيضاً مغزى التاريخ ومكره، وأعتقد دوماً بأنه القائد الأكبر صاحب الجيش الذي لا يُقهر. غير أنه مثل كل الذين يديرون فلسفة الحكم والحياة بمنطق الحرب الدائمة شرب من كأس رزاياه وتجبره، فكان عبرة تظل أبد الدهر . هكذا قدمت لنا مسرحية «الإسكندر الأكبر» إضاءة وامضة, وبارقة ساطعة حتى نعتبر من التاريخ ونستقرئ أبعاده، ونرقب المشهد المتكرر بروحية التأمل في نواميس التاريخ التي يتأبّى عليها البعض ويتطاول على جبريتها النافلة . المسرح التاريخي يثبت مجدداً دائرية الحدث التاريخي، وكيف تُعيد تلك الأحداث انتاج نفسها بطريقة مأساوية وملهاوية، وبالرغم من ذلك وبالرغم من الشواهد والمشاهد الدالة في أساس التاريخ وتراكيبه الغرائبية فإن الإنسان مازال عاجزاً عن مفارقة الغرور الأجوف، عاجزاً عن احترام قوانين الأرض وحكمة السماء . في الإمبراطورية الرومانية التي تمدّدت من قلب أوروبا وصولاً إلى تخوم الشام ومصر بنى «القائد الأعلى» مجد تلك الإمبراطورية عبر حروب استمرت أكثر من عقدين من الزمن، حتى إنه اكتشف في نهايات أيامه أن مجداً كلفه عشرين عاماً من القتال المتواصل وأربعة أعوام من الهدوء الملغوم بالاحتقانات ليس إلا مدعاة للتأمل والنظر إلى ما كان وما سيكون، والحال فإننا نرى أن كثيراً من الأنظمة والامبراطوريات تاقت إلى معانقة سيكوباتزم المجد المتضخم بالغرور والغزو والاستباحات، فكانت النتيجة حروباً أرهقت كواهل شعوبهم، وأفرزت شروراً وآثاماً كانت مسترخية تحت أكوام الرماد، فكانت مصائرهم موجودة سلفاً في غياهب التاريخ الذي لا يرحم. مسرح القاسمي يُسيّج أيام الشارقة المسرحية بمعنى الدراما النابعة من حكمة التاريخ وتضاريس الجغرافيا، مما يتصل جبراً بالراهن والمستقبل.