مع انطلاق أيام الشارقة المسرحية ومن خلال الاستهلال بعمل تاريخي من تأليف الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي تستمر متوالية التأصيل المعرفي والجمالي للظاهرة التاريخية باعتبارها ركن أركان المعاني المستديمة والقيم المتجددة، فالتاريخ بحسب رؤية سلطان الثقافية الواسعة مستودع لا ينضب للمعاني والدلالات القمينة بأن تستلهم وتُقرأ بإمعان، لأنها تحمل في طياتها أجوبة ناجزة للأسئلة الراهنة المحيرة، بل تُعبرعن التاريخ الذي يعيد إنتاج نفسه بطريقة مأساوية وملهاوية أيضاً، فيُدمر المتجربين المتعجرفين، ويفضح زيف الاعتداد المطلق بالقوة المجردة، لأن مثل هذا الاعتداد تطاول على المشيئة والقدرة الإلهية التي تمنح الضعيف أسباباً غير مرئية للقوة والتأثير .. في مسرحية " إسكندر الأكبر" معالجة درامية أساسية لهذا الموضوع، من خلال استقراء المعنى الكبير لمسيرة قائد استمرأ الظفر العسكري وجاب بجيوشه العالم شرقاً وغرباً، حتى فاضت به الأيام إلى حيث يذهب العتاة المتجبرون . النص المسرحي للدكتور سلطان يأتي بعد تجربة مديدة في المكاشفة التاريخية ذات الإشارات الإسقاطية على واقع الحال، وذلك من خلال تناول سلسلة من القضايا الكبرى في التاريخ. وبهذا القدر من التراكم يتقدّم النص على خُطى تهيئة المقدمات والبيئة الإبداعية التي تيسّر مسرحة العمل والارتقاء به إلى معانقة العوامل البصرية والجمالية التي تميز الفن المسرحي، كما أن من نافل القول حضور النص ضمن متوالية تسمح بالتمازج الخلاق، الأمر الذي يجعل مهمة الإخراج غاية في الدقة والحيوية، تماماً كما هو الحال في أي عمل مسرحي كبير. غير أن العمل التاريخي بالذات يتطلّب رؤية إخراجية، وقدرة معرفية تستوعب المعنى الفكري التاريخي والثقافي والجمالي بطريقة هاضمة لا تقبل بأنصاف الحلول، ولا تتخلى عن المضمون من أجل الشكل، ولا الشكل من أجل المضمون .