يشهد عصرنا الحاضر تعاظماً كبيراً لصناعة السياحة، باعتبارها أي السياحة أحد معايير تقدم الأمم الحديثة، ليس في مساهمتها الايجابية الضخمة في الاقتصاد العالمي فحسب، بل إن معنى صناعتنا الحقيقي يذهب إلى أعمق من ذلك بكثير فهو تجسيد لروح التقارب والانفتاح التي بدأ الإنسان يتحسسها نحو أخيه الإنسان، فالسياحة تعني ببساطة تحرك ملايين من الناس في العالم من مكان إلى آخر لاكتشاف علاقة الإنسان بالإنسان قديماً وحديثاً. إن الإنسان يتميز بحسه الحضاري والشعور بالحنين إلى الماضي والرغبة في معرفة «التراث الثقافي» والمحافظة عليه، والتعارف على زملاء له يتحدث معهم في الأمور الثقافية. لهذا بدأت تتنافس حكومات العالم في ميدان المتاحف الكبرى والاهتمام بترميم القصور والأسوار والأبواب والقلاع والمعابد والمباني المختلفة وتأسيس الحدائق العامة وحدائق الحيوانات وبدأت الشركات السياحية تنظم البرامج للأفواج السياحية تشتمل على زيارة المتاحف والمباني التاريخية والمواقع الأثرية التي تبدو لك وكأن الحياة بدأت فيها من جديد، وبدأ السائحون يظهرون رغبتهم العارمة في معرفة كل ما يتعلق بهذه الممتلكات الثقافية واقتناء صورها الأمر الذي تطلب من بعض الهيئات المختصة بالآثار طبع المؤلفات والأدلة لكل متحف وكل مبنى من المباني التاريخية أو المواقع الأثرية، ثم بدأت السلطات السياحية والأثرية تعد مجموعات الصور والشرائح الملونة التي من شأنها أن تلبي رغبات السائحين في العودة إلى بلدانهم بأفكار جديدة تتعلق بالتراث الذين شاهدوه خلال زياراتهم. وهكذا نجد تفاخر الحكومات بتزايد عدد متاحفها وأهمية مجموعاتها من الممتلكات الثقافية وأهمية المباني التاريخية التي جرى إنقاذها وترميمها وإعدادها للزوار والسائحين، كما بدأت هذه الحكومات تحرص على إدراج زيارات الوفود الرسمية لتجعل هذه الزيارات موضوع تفاخر بمنجزاتها وأعمالها الثقافية وكدليل لرقيها وإسهامها الحضاري عبر العصور التاريخية. من هنا كان للسياحة دورها في زيادة عدد المتاحف ورفع مستويات عرضها وترميم المباني التاريخية المختلفة التي تسهم في تسويق السائحين وإغرائهم لزيارتها. وفي الوقت الذي نشير فيه إلى مدى إسهام السياحة في حفظ التراث والتعريف به على نطاق واسع لابد أن نشير وبكل أسف إلى ما يواجهه تراثنا الحضاري من إهمال كبير من قبل الجهات المعنية وما يتعرض له من نهب وتخريب من قبل بعض المواطنين وتدمير المباني التاريخية والعبث بها بطرق غير مشروعة نتيجة لغياب الوعي بأهمية هذا التراث. الفلكلور والسياحة كما يمثل التراث الشعبي بكافة أشكاله ومظاهره مطلباً أساسيا للسياحة, لهذا تزايد الاهتمام بالتراث الشعبي وتوضحت آفاقه وجمالياته ولم تعد دراسته تقتصر على الفنون القولية من أغاني وأمثال وحكم وأقوال مأثورة, بل تعدى ذلك إلى تسجيل أدوات الحياة اليومية والصناعات الشعبية بما في ذلك تلك الأدوات ذات الطابع الفني الخالص الذي ابتكره وجدان الإنسان وفقاً لذوقه ووجهة نظره الحياتية. كما تزايد الاهتمام بالصناعات اليدوية بعد أن طغت الآلة التي أغرقت الحياة بنماذج عديدة وأنماط ثابتة تفتقر إلى الجماليات التي تضيفها يد الفنان أو الصانع أو الحرفي. من هذا المنطلق كان لابد أن تتأثر مطالب السائح بالاتجاهات الإنسانية نحو العودة إلى بساطة وجمال الأداة الفنية والصنعة الشعبية الخالصة التي تبرز خصائص كل امة وأصالتها وتذوقها لمتطلبات الحياة اليومية, فكان لزاماً على العمل السياحي أن يساير متطلبات السائح في عصر بدت فيه مظاهر الفلكلور تطبع العصر بطابع مميز. ومن اجل الوصول إلى استكمال متطلبات السائح اتجهت البلدان السياحية إلى تراثها الشعبي تجمعه وتبرزه وتحييه وتستلهم منه صنوفاً عديدة من السلع وأساليب التعامل , الأمر الذي جعلها تحصل على الوفير من الدخل وتجذب العديد من الزوار والسياح. كما تركز اهتمام الصناعة السياحية على المصنوعات الشعبية والتحف والتذكارات الملتصقة بعادات الناس وتقاليدهم وأفكارهم ودياناتهم, وتستغل هذه النماذج بشكل سلع تباع بأسعار جيدة للسياح كما تعرض القطع الفنية البارزة منها في متاحف شعبية كما هو متحف اسكانس في السويد الذي هو عبارة عن قرية كبيرة تمثل الحياة الشعبية وتلتصق به بعض الأحياء التي تمارس فيها صناعات يدوية وتقليدية. ولا تقتصر استفادة السياحة من الفلكلور على الأدوات المادية التي توارثها الناس بل تتعدى ذلك إلى فنونهم القولية والتشكيلية عموماً, فاتجهت صناعة السياحة إلى الأغاني الشعبية المتوارثة والرقصات الشعبية كما امتدت إلى الألحان والملابس والحركات, فظهرت فرق الفنون الشعبية التي قدمت الأغاني الفلكلورية في إطار جديد وعلى مسارح حديثة. وأصبح انتقال مثل هذه الفرق الفلكلورية من بلد إلى آخر مظهراً من مظاهر التبادل الثقافي ونشر روح التعارف والتفاهم بين البلدان. إن الاهتمام بالفلكلور أصبح جزءاً لا يتجزأ من العمل السياحي والذي لابد من جهود جادة لإبرازه وإحيائه وتطويره وإعادة تمثيله على مسرح الحياة الحديثة للقيام بدوره البارز في دعم الحركة السياحية.