تفاءل كثير منا عند الإعلان عن اتفاق 23 فبراير 2009م بين القوى السياسية اليمنية على تأجيل الانتخابات لمدة عامين ,وما تبعه من تقديم طلب برلماني لتمديد مدة مجلس النواب لعامين آخرين,معتقدين أنه سيمثل فرصة ذهبية لإفساح المجال أمام ادخال بعض الإصلاحات السياسية والقانونية وبداية عملية لحل كثير من الأزمات السياسية التي شهدها النظام السياسي اليمني , ومنطلقاً للاتفاق على برنامج توافقي لتنفيذ بعض الإصلاحات السياسية والقانونية, واتاحة المجال أمام الوطن والمواطن اليمني لتنفّس الصعداء والتقاط الأنفاس استعداداً لماراثون انتخابي قادم يبدو أنه سيكون الأكثر تنافساً ,والأصعب في تاريخ تجربتنا السياسية والديمقراطية، بينما انزعج آخرون ممن لم يرضهم حصول الاتفاق أو التوافق بين الأطراف السياسية اليمنية وممن راهنوا على تصعيد الأوضاع والأزمات وصولاً إلى انفجارها ,أو على الأقل خلق بؤر فتنة وتوتر دائمة في المجتمع اليمني تتيح لهم حرية الحركة والتدخل في شئون المجتمع اليمني. ومع أن كاتب هذه التناولة كان أحد المتحفظين على قرار تأجيل الانتخابات ,وعلى تعديل الدستور اليمني للتمديد لأعضاء مجلس النواب ,إلا أنه كان مع ذلك أحد المتفائلين والمرحِّبين بذلك الاتفاق بالنظر إلى الظروف السياسية الحساسة التي تم فيها والأحداث الهامة التي رافقت إعلانه، ولأنه مثّل وقتذاك مخرجاً آمناً وسلمياً وحضارياً لضمان استمرار العملية الديمقراطية ولم ينس التنبيه والإشارة إلى حاجة جميع الأطراف السياسية اليمنية إلى اعتماد سياسة التوافق عند الحوار حول آليات تنفيذ بنود ذلك الاتفاق ,وتحديد سبل الانتقال به من الإطار النظري إلى التطبيق الميداني الواقعي ,وتحديد النقاط التي يمكن التوافق حولها ,وتلك التي يجب أن تظل على طاولة الحوار والمفاوضات والنقاش ,مع إبقاء باب الأمل مفتوحاً على كل الخيارات السياسية والدبلوماسية السلمية الآمنة التي تحقق للشعب وللمجتمع الطموحات في التنمية الاقتصادية ورفع مستويات المعيشة والعيش الحر والآمن في وطن موحد ,مبدياً خشيته من أن يكون الخلاف حول تلك التفاصيل ذريعة جديدة لبعض الأطراف لخلق أزمة أو أزمات جديدة . لقد مرت أكثر من سنة على توقيع اتفاق 23 فبراير 2009م وهي مدة لم تكن كافية حتى لتأمين انتظام اجتماع الأطراف السياسية الموقعة عليه من أجل أن يصار على تنفيذ بنوده ,أو التفاهم بشأن تشكيل اللجنة المكلفة بالتهيئة والإعداد للحوار الوطني تنفيذاً لنصوص الاتفاق ,أو التوافق على الأطراف التي ستشارك في الحوار الوطني الشامل من أجل ذات الغاية ,وهذا الأمر قد يطرح علينا أكثر من سؤال:هل المدة المتبقية على الاستحقاق الانتخابي القادم 27 أبريل 2011م (أي سنة واحدة لا أكثر) كافية لتحقيق ما عجزت عنه هذه الأطراف؟ وهل لدى هذه الأطراف نية حقيقية لتنفيذ ما تضمنه ذلك الاتفاق؟ وهل ستمثل الرسائل ومحاضر الاجتماع الثنائية المتبادلة بين المؤتمر الشعبي العام ,وأحزاب اللقاء المشترك خلال الأيام الماضية فرصة لانتشال الأوضاع من حالة الرتابة والجمود التي ميزت السنة الماضية؟ أم أننا ماضون باتجاه أزمات أشد ,ربما تقود إلى تأجيل ثانٍ للانتخابات ,ولم لا التمديد لمجلس النواب اليمني مرة أخرى؟ للإجابة عن هذه التساؤلات ,سوف نستعرض في هذه التناولة بعض جوانب الاتفاق والاختلاف التي وردت في الرسائل والمحاضر المتبادلة بين المؤتمر الشعبي العام وأحزاب اللقاء المشترك ,وهي الرسائل التي قد تنتشل الحوار السياسي من وضعية الجمود والسكون التي طالت ,وتعيد إحياء الأمل بإعادة دوران دفة الأمور في مجتمعنا ,وربما إلى وضع حدٍ لكل التجاوزات والخروقات التي طبعت الفترة الماضية. أولاً: نقاط الاتفاق بين المؤتمر الشعبي العام واللقاء المشترك تضمنت الرسائل كما جرت العادة تنصلاً مشتركاً وتبادلاً للتهم عن مسئولية كل طرف في إعاقة وتأخير تنفيذ الاتفاق ,وهي التهم التي نفاها كل طرف عن نفسه ,وحملها الطرف الآخر ,ومع أن هذا قد يعد مؤشراً سلبياً وبداية غير صحية لمباشرة الحوار بين الطرفين ,إلا أنه نتيجة حتمية وحصاد معقول لسنوات عجاف من الصراع السياسي وانعدام الثقة بين الطرفين وانعكاس طبيعي لتباين الرؤى والسياسات والغايات والأساليب والنتائج التي ينتظرها كل طرف منهما من مؤتمر الحوار الوطني إن كتب له الانعقاد وعلى عكس كثير من المحللين نجدها بادرة حُسن نية أن يتفق الطرفان ولو على عدد من محدود من النقاط,أهمها الآتي: الاتفاق على تشكيل اللجنة المكلفة بالتهيئة والإعداد للحوار الوطني استناداً إلى اتفاق فبراير 2009م وعلى عدد أعضائها (أربعة ممثلين لكل طرف). الاتفاق على دورية رئاسة اللجنة. الاتفاق على آلية اتخاذ القرار داخل اللجنة بالتوافق,وإلزامها للجميع. إيقاف الحملات الإعلامية المتبادلة بين وسائل الإعلام المختلفة كل ضد الآخر. الاتفاق على علانية وشفافية أعمال اللجنة ,لتمكين الرأي العام الوطني والأشقاء والأصدقاء من متابعة أعمالها. نقاط اختلاف المؤتمر عن اللقاء المشترك جاء في محضر الاجتماع المعد من المؤتمر الشعبي العام عدد من نقاط الاختلاف مع ماجاء في محضر أحزاب اللقاء المشترك وهي: التأكيد على مهام اللجنة ,ودورها المحوري في تنفيذ اتفاق فبراير ,وعلى ضرورة التزامها باتفاق فبراير نصاً وروحاً. الحرص على اجراء الانتخابات في موعدها ,بمراعاة ألا تخل مواعيد برنامج الحوار الوطني بموعد إجراء الانتخابات 27 ابريل 2011م. اعتماد مرجعية اتفاق المبادىء الموقع بين الأحزاب السياسية في يونيو 2006م التي سبقت الانتخابات الرئاسية أساساً لتحديد ضوابط الحوار الوطني الشامل. عقد الاجتماع الأول في كلية الشرطة ,وتواصلها في مجلس الشورى. إيقاف أعمال التحريض التي من شأنها التأثير على اجواء الحوار. تحديد سقف للحوار الوطني ,ممثلاً في المادة الأولى من الدستور اليمني التي تنص على أن (الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية ذات سيادة,وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التخلي عن أي جزء منها والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية). نقاط اختلاف اللقاء المشترك عن المؤتمر عقد لقاء تمهيدي بين الطرفين لتحديد وتسمية الشركاء والحلفاء الذين سيمثلون الطرفين في اللجنة المشتركة بالتساوي ,وعدم جواز اعتراض أي طرف على مايقدمه الطرف الآخر!! إضافة ممثلين عن القوى والفعاليات السياسية والاجتماعية والوطنية ومنظمات المجتمع المدني التي سيتم التشاور معها ,وضم من يقبل منها إلى قوام اللجنة بنفس المعايير السابقة من حيث العدد والتمثيل. إعداد برنامج الحوار الوطني ,والضوابط المنظمة له. عقد الاجتماعات في مقرات يتفق عليها أعضاء اللجنة. اطلاق سراح المعتقلين السياسيين والصحفيين والكتاب ووقف المحاكمات والمطاردات للسياسيين وأصحاب الرأي ,والتوقف عن قمع الاحتجاجات والاعتصامات السلمية ,وغيرها من مظاهر العمل السياسي السلمي. لقد تضمنت الرسائل المتبادلة بين الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العام ورئاسة المجلس الأعلى لأحزاب اللقاء المشترك ,وصيغ محاضر الاجتماع المنتظر عقده بين الطرفين لتشكيل لجنة الحوار الوطني ,كثير من نقاط الاتفاق وإن اختلف ترتيبها كما احتوت بعض بنود الاختلاف بعضها مما يمكن تبريره ,وبعضها الآخر قد يعيق أي تقدم حقيقي باتجاه تشكيل اللجنة,وربما يجعل الحوار أمراً متعذراً ومستحيلاً , إن أصر كل طرف على ماتضمنه محضر الاجتماع الذي قدمه.. وسوف نتناول هذه النقاط بشكل تفصيلي في تناولة قادمة إن شاء الله تعالى.