«3» والحياة الدنيا ملأى بالمشاغل والهموم، وهي رغم ذلك جنة ونعيم للمؤمن، فهو يجعلها مزرعة للآخرة، ويستغلها في طاعة الله تعالى ذاكراً له كثيراً، خادماً لخلقه، رحيماً بهم، رؤوفاً بمحسنهم ومسيئهم، يتشوق إلى لقائه القريب، ثم هو لا ينسى نصيبه من الدنيا. ينعم بما خلقه الله من الطيبات برزقه الحلال الخالي من الشبه فضلاً عن الحرام، يتمتع بالزينة والنعم الكثيرة فهي للمؤمن في الدنيا والآخرة (قل من حرم زينة الله التي أخرجها لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة). فالمؤمن له أن يعيش حياة سعيدة هانئة متى كان كسبه من حلال يتقي الشبهات.. وكان الإمام الحسين بن علي عليه السلام طفلاً لما يزل يحبو، فكان أن أخذ ثمرة من ثمر الصدقة وبدأ يمضغها، فلاحظ ذلك جده المصطفى عليه الصلاة والسلام فأسرع فأخرجها من فيّه قائلاً له: كخ كخ، يعني أرمها، أخرجها من فمك، ولم يشفع للحسين ان كان صغيراً قد أعجبه حلاوة التمرة، ليعلمنا الرسول الكريم أن هذه الثمرة ليست من حقه، إنما هي حق الناس. فما بال الذي يغتصب حقوق الناس ويأكل الحرام؟!.. إنه والله لا يؤمن باليوم الآخر، ولو علم أن هذا اليوم حق وهو ركن من أركان الإيمان لترك هذه الحقوق ولأدى الأمانة إلى أصحابها (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون). ولقد وجد قوم من أهل الله رأوا أن ما عند الله خير للأبرار فزهدوا في الدنيا وما فيها من طيبات ونعم، وهذا أمر يتعلق بالمقامات التي يتفاوت فيها الناس، فالناس مقامات ودرجات. ولقد كان يمر اليوم واليومان ولا يوقد فيها على إناء في بيت سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، في الحديث أو معناه الذي روته سيدتنا عائشة رضي الله عنها وعن أبيها. أما الذين يكفون عن الإقبال على طيبات الحياة الدنيا ويضيقون على أولادهم وأهلهم من باب البخل والتقتير فإنما حسبهم أنهم حرموا نعمة الكرم، وهي نعمة لا يؤتيها الله إلا من أحب من خلقه. الحياة الدنيا جميلة يستطيع الإنسان أن يجعلها مزرعة لآخرته وينعم بما أودعه الله فيها من نعم بالحلال وبما يرضيه تعالى.