أنتجت مجتمعات البداوة في الجزيرة العربية أيديولوجيات دينية ترى الحالة المثلى في العودة بأحوال المجتمع والناس وأساليب عيشهم إلى ما كانت عليه في القرن السابع الميلادي ،الأول الهجري. والحال أن مكة والمدينة، كانتا في القرن السابع، بيئات أكثر تطوراً بكثير من البيئة التي أنتجت الأيديولوجية السلفية الوهابية في القرن الثامن عشر، والتي أصبحت تمثل خطراً داهماً على المجتمع اليمني بل وعلى العالم ، وتسعى لحكمه وفقاً لصيغة طالبان الأفغانية الموغلة في الهمجية والتطرف. ولم يكن من الممكن للدولة الإسلامية أن تنتج حضارة ذات بال لو كان حكامها من هذا الصنف البدوي، من المؤكد أن حصر الخلافة في قريش، وهم سكان أهم حاضرة في صحارى الجزيرة العربية، وأكثرها تحضراً بالمقارنة مع القبائل البدوية، قد ساعد على سلوك الدولة مدارج الرقي والتقدم، ومكّنها من وضع أسس بناء الحضارة الإسلامية، التي قامت على أكتاف أبناء الحضارات العريقة المجاورة المفتوحة. انطبعت هذه الأيدلوجيا السلفية الوهابية بالحالة الهمجية لمنتجيها وحامليها، فعملت الأسرة الحاكمة السعودية، بعد أن أدركت خطورتها، بالتعاون مع البريطانيين بين عامي 1926 و 1928 على كسر شوكة الحركة العسكرية، بالقضاء على من كانوا يسمون الإخوان المجاهدين وقياداتهم، الأمر الذي أتاح للأسرة الحاكمة للدولة السعودية إمكانية العمل على تطوير البلاد إلى حد ما، وبما يسمح باستخراج النفط الضروري للمصالح الدولية التي ترعاها. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر2001 ، وانطلاق شيطان الإرهاب الوهابي السلفي مرة أخرى، أدركت العائلة الحاكمة السعودية مدى خطر حتى النسخة المدجنة لديها من السلفية الوهابية، فشرعت في سحب البساط الشعبي من تحتها عن طريق نشر شبكة واسعة من القنوات التلفزيونية الفضائية التي تروج لقيم الغرب، وتبث أفلاماً أمريكية على مدار ساعات اليوم مجاناً، وهو أمر ليس له مثيل. إضافة إلى قنوات كثيرة، بالمئات وليس العشرات، متخصصة في الغناء والرقص الذي تعتبره السلفية رجساً من عمل الشيطان. ولكن مشكلتنا تتمحور حول اندياح الأيديولوجية الوهابية السلفية إلينا عبر الحدود، حيث وجدت بيئة متخلفة تناسب انتشارها. وحيث سنضطر، إذا استمر السماح لجامعاتها ومعاهدها بمواصلة تفريخ الإرهابيين، إلى التعايش اليومي مع الإرهاب تماماً كالعراقيين والباكستانيين لا سمح الله.