كل شيء في حياتنا أضحى سريعاً رتيباً في نفس الوقت.. تعبيرنا للآخرين عن مشاعرنا..تناول الطعام، صلواتنا.. متعة الاستماع إلى آيات أو قصيدة كله أصبح سريعاً وبلا لذة تُذكر لماذا يحدثُ هذا؟ ما الذي تغير حتى تصبح الحياة مملة باعثة على الشقاء تنتحل شخصية البقاء وماهي إلا الفناءُ بعينه.. إنه الميل عن الغاية والغفلة عن الهدف، نعم نميل كثيراً عن أهدافنا ونتوارى خلف انشغالنا بتوفير العيش الكريم لأنفسنا وسوانا من الناس لكننا غافلون عن الغاية الحقيقية من وجودنا في هذا الكون الواسع.. نحن لا نجيد استخدام كافة القدرات التي نمتلكها ولا نجرب أن نعيش الجانب الموجب والمشرق للحياة.. نركز كثيراً على إحباطاتنا وكبواتنا ونتجاوزها إلى إحباطات وكبوات الغير ولم نفكر مرةً كيف يمكن أن نركز على نجاحنا في جانب معين وللأسف إننا نغفل ذات الشيء مع أطفالنا. إذ نركز على تقصيرهم في جانب ما ولا نحاول تطوير جوانبهم المشعة بالذكاء،والجمال بل إن بعض الآباء لا يعلم عن مستواهم العلمي أو صفوفهم الدراسية شيئاً،وهذا لأننا نمضي قدماً خلف سياسة الهدر التي اعتدنا العيش على أساسها وبقوامها. فنحن نُهدر الكثير من المال والوقت والصحة ولهذا لا نحرص على أن نحافظ على أي شيء بين أيدينا.. ولا أقصد بالحرص البُخل أو التشبث بالحياة لكن أقصد بذلك اعطاء كل شيء حولنا ما يستحق من الرعاية والعناية والاهتمام والتشجيع وهذه الأمور لا تحتاج إلى المال أو الالتحاق بالتعليم الأكاديمي،فقد فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد كان خريج جامعة الرحمن منهجه القرآن وقلمه الصدق قولاً وعملاً. إن أي لحظة تمر هي محسوبة من عمر الإنسان فإن أتى بها خيراً نال رضا الله عنه وثقل ميزان حسناته وكسب حُسن ثواب الدنيا والآخرة وإن أتى بها شراً نال سخط الله وخفّ ميزانه ولم يكسب إلاَّ السيئات وإن تركها تمرُ هكذا لم يثقلها بالخير ويسابق بها سواه من الغافلين جاء يوم الحساب وهو مفلس وما عساه يصنع المفلس؟!!في يوم لاتنفع فيه أعذارالدنيا كلها..؟! هذا النوع من حياة الغفلة الذي نعيش لايثقل الميزان ولا يرفع الشأن.. لأن الإنسان إنما خلق ليعمل ويعمر الأرض لا بالبروج المشيدة والقصور المزخرفة إنما بالإحسان وزرع الخير وإماطة الشر عن طريق الناس والأهم كف أذى النفس عن الآخرين لأننا متفقون أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.. ولعلنا اليوم أكثر مانعاني من أولئك الذين يدعون الإسلام وألسنتهم تخيط أعراض الناس وترقعها بالفجور.. وأيديهم تبطش بالضعفاء من البشر سعياً خلف سراب الدنيا الذي لايكاد يصل صاحبه إليه حتى لايجده شيئاً وما وجد عنده إلا الله فوفّاه حسابه.. ولو أننا أدركنا الغاية من وجودنا وسمونا بأرواحنا عن مصالح زائفة لحققنا هدف السير على هذه الأرض ولصحونا من غفلة الوقت الذي يمضي دون أن ننجز خلاله شيئاً للآخرة..يعجبني ذلك الشموخ والإباء في صديقة حميمة تعاني المرض وسوء المعشر وضيق الحال ومع هذا لاتنقطع عن الكتابة ولاتمل عن تقديم الخدمات للآخرين وتراها كالفراشة تحلّق في سماء الناس.. يصيبها المرض فتقول يارب.. ويخذلها الناس فتنادي ياحليم.. ويستخف الآخرون بحقها فتقول: ياقوي يامتين.. مارأيت في حياتي امرأة مثلها تبذر الخير حيث وقفت وحيث قعدت وحيث نامت.. تعلم يقيناً أن هذه الحياة إنما هي محطة وما من أحدٍ من العالمين يعيش عمره كله في محطة !! إذن فالرحيل قادم لاشك.. والموت آتٍ لامحالة.. يعجبني يقينها أن لاراحة في الدنيا.. وأنت تخاطبها تشعر انها ستموت بعد ثوانٍ معدودة.. لقد احببت هذا الشيء وعشته وتمنيت لكم أن تعيشوه مثلي ومثلها.. اجعلوا الموت قريباً جداً منكم.. ضعوه نصب العين وستتغير حياتكم إلى الأفضل.. لا أطماع.. لاقتل.. لا تحريض للبشر .. لاتمرد على ولي الأمر.. لا حث على الفتن.. ستأمركم ضمائركم بالاقلاع عن كل مايمكن أن يضيق عليكم في قبوركم.. هل تستشعرون معي تلك اللحظات التي لافرق فيها بين غني أو فقير صغير وكبير زعيم أو غفير. سنرقد جميعاً تحت الثرى، ستوصد المنافذ والشقوق وسيهال التراب علينا وسنعيش دهراً في تلك الحُفر .. لانستطيع الاتصال عندها بمدير الكهرباء .. لانستطيع المطالبة بإقالة وزير النور المتقطع.. ولن نملك حتى الصراخ في وجه الظلام .. من يحتمل منكم أن يكون ليله كنهاره؟!! لن يضيئ هناك شيء إلا عملنا الصالح .. فلماذا هذا الغرور بالمال.. والجاه.. والسلطة؟ لاشيء من كل هذا سيبقى.. لاشيء أبداً.. فلنتعلم إذاً فن الانصات للآخرين.. فن العفو عند المقدرة.. فن حفظ حقوق الناس وأداء الأمانة إلى أصحابها.. فن الشعور بالأمن الوطني وترك اشعال الفتن التي لاتفعل شيئاً سوى اراقة دم الأبرياء ممن لاحول لهم ولا قوة. وأنا هنا لا أدعو إلى التخاذل والتكاسل عن العمل والسعي لطلب الرزق فهذا جهاد بعينه ولكني أدعو إلى السمو عن الظلم والترفع عن البطش وترك الفتن ومحاولة إيجاد البديل الأفضل حين نفقد السبيل إلى مانريد.. لتشعروا بطعم الحياة الحقيقي لابد أن تتذوقوا طعم الآخرة على مائدة العطاء والرقي الإنساني والبذل واستقراء حقيقة الموت والفناء.. ولتنيروا تلك الحُفر التي ستكون يوماً بيوتاً لكم أثثوها بعوائد الصدقة وجمّلوا جدرانها بالصبر عند الشدائد وأشعلوا صمتها بذكر الله على الدوام وتذكروا دائماً أن اباطرة الدنيا وملوكها وأمراءها ليسوا ملوكاً ولا اباطرة ولا أمراء في ميزان الآخرة .. نحن جميعاً سواء لا فضل لأحدنا على الآخر إلا بقدر ماقدم من طيبات القول والعمل.. الحياة لاتدوم.. ولهذا لايدوم شقاؤها ولاتدوم سعادتها ومادام الأمر كذلك فاشعروا بالسعادة مع جميل القول والعمل لأنكم هناك في خلد دائم ليس بعده نهاية .. هل نحاول جميعاً منذ اليوم أن نثقل الميزان ونرجو في كل أمورنا رضا الرحمن؟!! فلنجرب حتى لاتنتهي الحياة ونحن لم نبدأ بعد.