عند مغادرة الرئيس علي عبدالله صالح صنعاء متوجهاً إلى عدن في 29 نوفمبر 1989م كانت كل المؤشرات تؤكد ان يوم الوحدة أصبح قريباً , عزّز هذه التوقّعات التوقيع على اتفاقية 30 نوفمبر 1989م وإحالة مشروع دستور دولة الوحدة إلى مجلسي الشعب والشورى للموافقة عليه طبقاً للأنظمة الدستورية في مدة زمنية أقصاها ستة أشهر تنفيذاً للاتفاقيات السابقة في البند الثاني من اتفاقية الكويت 1979م واستكمال الإجراءات المتفق عليها في المواد (9، 10، 11، 12، 13) من اتفاقية القاهرة وطرح مشروع الدستور للاستفتاء. وخلال الفترة الممتدة من 30 نوفمبر 1989م وحتى 22 مايو 1990م سعت قوى الإسلام السياسي ممثلاً بحركة الإخوان المسلمين إلى عرقلة إعادة تحقيق الوحدة اليمنية مستخدمة في ذلك كافة الوسائل الدعائية الكاذبة وهو ما زاد من وتيرة التعجيل بإعادة تحقيق الوحدة خصوصاً أن الظروف الدولية كانت قد تهيأت بسبب سقوط الاتحاد السوفيتي وانهيار المنظومة الاشتراكية. الوحدة كانت حاضرة في كل اللقاءات والاتفاقيات التي سبقت إعلانها وحاضرة عند الحرب وعند السلم.. يتقاتل اليمنيون ليلتقوا ويتفقوا على الوحدة وهو ماحدث بعد حرب 1972م , وحرب 1979م وهو ما أكد ان الحل للمشاكل التي كانت تظهر بين الشطرين (آنذاك) وداخل الشطر الواحد لن يتم إلا بالوحدة. الظروف الدولية التي كانت سائدة خلال فترة الحرب الباردة ساهمت في عرقلة إعادة تحقيق الوحدة .. المنطقة كانت تمر بمرحلة استقطاب غير عادي وخلق تحالفات عسكرية .. كانت اليمن كمنطقة استراتيجية محل اهتمام القوتين الأعظم فكانت كلما تقاربت الرؤى بين قيادات الشطرين تتدخل أجهزة الاستخبارات لتضع براميل البارود على الحدود. ولحظات انهيار المنظومة الاشتراكية كقوة عسكرية وسياسية وانتهاء الحرب الباردة كان على اليمنيين استغلال الفرصة التاريخية التي سنحت ؛ لأن ترك هذه الفرصة يعني ان الوحدة ستدخل في حسابات معقدة ربما تكون أكثر تعقيداً من الفترات السابقة. التدرج الذي شهدته اتفاقيات الوحدة بدءاً من اتفاقية القاهرة وحتى 30 نوفمبر 1990م رغم التأثير الذي تركته الصراعات الداخلية (الصراعات داخل الشطر الواحد) أو خارجية الاستقطاب الدولي والإقليمي أثناء الحرب الباردة. إلا ان الاتفاقيات الموقعة في الثمانينيات تميزت بمناقشة التفاصيل والترتيب لإعلان دولة الوحدة وجميع الاتفاقيات تؤكد حقيقة واحدة هي أن الوحدة لم تكن وليدة لحظتها أو وليدة اتفاق كما يدعي البعض في تشويه متعمّد لصورة المنجز الوحدوي وإلغاء جهود بذلت خلال 18 عاماً بدءاً من اتفاقية القاهرة . كانت الوحدة اليمنية في مقدمة أهداف معظم التيارات السياسية التي تشكّل منها المشهد السياسي اليمني عدا التيار الانتهازي الذي كان يرى في تحقيق الوحدة قضاءً على نفوذه ومصالحه ولم يفصح صراحةً عن معارضته للوحدة لكنه ألبس دعواه بعباءة الدين ورغم كل ذلك سقطت الأقنعة. التيارات السياسية الرافعة لعلم الوحدة خاضت صراعاً داخل كل شطر وبين الشطرين , والهدف كان إعادة تحقيق الوحدة حيث كان كل تيار يرى إعادة تحقيق الوحدة وفق طريقته ووفق فلسفته للوحدة وهنا كان محور الاختلاف. الوحدة قد أنجزت إلا أنها لن تمنع شهوانية الانحلاليين والانفصاليين الذين فقدوا مصالحهم بتحقيقها ويتوهّمون أن مايقدمونه من رؤى سيقربهم من مهندسي الفوضى الخلاقة في العالم ليحققوا من خلالها أهدافهم. الوحدة اليمنية خطّت مرحلة تاريخية جديدة على خارطة التاريخ العربي ورسمت نموذجاً يعد الأروع والأكثر أهمية وحيوية و20 عاماً من الوحدة تعطي الوحدويون اليمنيين والعرب طمأنينة على صلابة عود الوحدة اليمنية وصمودها أمام سلسلة المؤامرات المتلاحقة.