بين فترة وأخرى نقرأ لمهندس الانفصال كما أطلق عليه فقيد الوطن الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر كتابات وآراء تستهدف الوحدة اليمنية ومحاولة النيل منها وتشويه القيم النبيلة للوحدة ونشر ثقافة الكراهية بين أفراد المجتمع بالترويج لمصطلحات وأفكار تغذي هذه النزعات، ولم يسلم من أكاذيبه التاريخ والجغرافيا، وهو ما يضع الجميع أمام مسئولية وواجب وطني في كشف هذا الزيف للأجيال الجديدة حتى لا تقع أفكارهم وثقافتهم ضحية لهذه الأحقاد على الوحدة. فقط سنتناول ما يروج له بأن إعلان الوحدة في 22 مايو 1990م تم على عجل. الوحدة اليمنية كان يجب قيامها في 1967م، عقب خروج المستعمر البريطاني من عدن، إلا أن اغتصاب الجبهة القومية للسلطة بمساعدة بريطانيا وإقصاء جبهة التحرير والتنظيم الشعبي وتصفية عناصره، وتزامن ذلك مع حركة نوفمبر 1967م وفرض الحصار على صنعاء من قبل القوى الإمامية حالا دون ذلك، وهو ما يفسر الخلاف داخل النظام في صنعاء عقب إعلان الاستقلال في جنوب الوطن حول قضية الاعتراف بالدولة الجديدة من عدمه، إلا أن الرئيس الإرياني فضل الاعتراف حتى لا يدخل في خصومة مع النظام الجديد وهو لايعرف ما يمكن أن تسفر عليه المعارك مع القوى الإمامية التي كانت تفرض حصارها على صنعاء. قراءة الأحداث التي شهدتها اليمن بشطريها عقب الاستقلال وما رافق تلك الفترة من اتفاقيات بين قيادات الشطرين نجد أن الوحدة كانت حاضرة في كل اللقاءات وحاضرة عند الحرب وعند السلام.. يتقاتل اليمنيون ليلتقوا ويتفقوا على الوحدة وهو ما حدث عقب حرب 1972م و 1979م بين الشطرين وهو ما يؤكد أن الحل للمشاكل التي كانت تظهر بين الشطرين أو بين أبناء الشطر الواحد لن يتم إلا بالوحدة. التدرج الذي شهدته اتفاقيات الوحدة بدءاً من اتفاقية القاهرة وانتهاء باتفاقية 30 نوفمبر رغم تأثر إنجاز هذه الاتفاقيات بعوامل داخلية (صراعات بين أبناء الشطر الواحد) أو خارجية الاستقطاب الدولي والإقليمي أثناء الحرب البادرة. الاتفاقيات التي تمت في السبعينيات اهتمت بالعموميات ووضع الخطوط العريضة لملامح المستقبل بينما تميزت الاتفاقيات الموقعة في الثمانينيات بمناقشة التفاصيل والترتيب لإعلان دولة الوحدة، وهذا ما يؤكد حقيقة أن الوحدة لم تكن وليدة لحظتها أو وليدة اتفاق (النفق) كما يدعي البعض في تشويه متعمد لصورة المنجز الوحدوي وتجاهل جهود بُذلت خلال 18 عاماً بدءاً من اتفاقية القاهرة وانتهاء بإعلان الوحدة في 22 مايو 1990م. لذلك فعند قراءة خطوات تحقيق الوحدة نجد أنها جاءت كضرورة حتمية لنزع فتيل المشاكل والاضطرابات بين الشطرين أو داخل الشطر الواحد.. فالظروف الدولية التي كانت سائدة في هذه الفترة كانت العائق الرئيس لإعادة تحقيق الوحدة، حيث كانت المنطقة تمر بمرحلة استقطاب حاد وخلق تحالفات عسكرية وكانت اليمن كمنطقة استراتيجية محل اهتمام القوتين الأعظم، فعندما تتقارب الرؤى بين قيادتي الشطرين تتدخل أجهزة الاستخبارات لتضع براميل البارود بين الشطرين.. وعندما انهارت المنظومة الاشتراكية كقوى اقتصادية وسياسية وعسكرية وانتهاء الحرب البادرة كان حينها على اليمنيين استغلال الفرصة التاريخية التي سنحت وعدم التفريط بها وعدم تركها تمر دون إعادة ترتيب البيت، لأن الوحدة اليمنية ستدخل في حسابات معقدة داخلياً وإقليمياًَ.. القيادة السياسية في الشطرين أدركت أن الظروف السياسية المحلية والدولية قد تهيأت وإن كانت الترتيبات قد تم إنجازها ولم يكن الوضع يحتاج إلا إلى إرادة سياسية قوية تترجمها إلى قرار سياسي فتم إقرار ما تم إنجازه والتوقيع عليه من قبل اللجان التي ظلت تعمل لسنوات من أجل هذا اليوم. جميع التيارات السياسية التي تشكل منها المشهد السياسي اليمني كانت الوحدة اليمنية في مقدمة أهدافها وبرامجها السياسية، بل إنها كانت تخوض صراعاً داخل كل شطر من أجل الوحدة وإن كان لكل تيار رؤيته الخاصة في تحقيق الوحدة. العطاس كان على رأس النظام في الشطر الجنوبي، وكان يستطيع فرملة تحقيق الوحدة، إذ كان يرى أنها تتحقق على عجل، لكنه لم يفعل، لأنه يعلم تماماً أن أي اعتراض كان سيدفع بالشارع إلى الثورة والإطاحة بالنظام الشمولي الذي يرأسه كما حصل للأنظمة الاشتراكية الأخرى في الصومال وإثيوبيا ورومانيا ويوغسلافيا.. إلخ وفي الجانب الآخر كانت طوق النجاة لذلك النظام المتهالك. الوحدة قد أنجزت، إلاَّ أنها لن تمنع شهوانية الانفصاليين من استغلال الأوضاع الاقتصادية أو التجاوزات والأخطاء التي تمارس من قبل بعض العناصر الفاسدة الذين يتوهمون أنهم بما يقدمونه من رؤى ستقربهم من مهندسي الفوضى الخلاقة في العالم.. لقد بدأت اليمن منذ إعلان وحدتها بصياغة مرحلة تاريخية تضع على خارطة التاريخ العربي أنموذجاً ومشهداً يعتبر الأروع والأكثر حيوية وأهمية. فتسعة عشر عاماً من الوحدة تعطي الوحدويين اليمنيين طمأنينة على صلابة عود الوحدة اليمنية وصمودها أمام سلسلة المؤامرات التي تنوعت في استهدافها بحسب طبيعة كل مرحلة.. فالوحدة اليمنية ثابتة وأبناؤها يقظون لأصحاب المشاريع الصغيرة وعملاء الفوضى الخلاقة.