إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    الدوري الاوروبي .. ليفركوزن يواصل تحقيق الفوز    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لملس يفاجئ الجميع: الانتقالي سيعيدنا إلى أحضان صنعاء    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الوزير السابق لشئون الوحدة في الجنوب ،راشد محمد ثابت...استجابة نظام الجنوب للخارج نقلت المعركة من أحشاء نظام صنعاء إلى أحشاء الاشتراكي
نشر في التغيير يوم 04 - 12 - 2008

أجرت صحيفة"الوسط"اليمنية في عدديها الأخيرين حوارا ضافيا مع راشد محمد ثابت الوزير السابق لشئون الوحدة في جنوب اليمن .تحدث خلاله عن جملة من القضايا والأحداث التي شهدها اليمن وما اكتنف مسارات الحوار حول الوحدة منذ سبعينيات القرن الماضي .فيما يلي النص الكامل للحوار.
* ونحن على مشارف الانتهاء من شهر نوفمبر الذي يحمل الدلالات الوطنية، ذكرى التحرر من الاحتلال البريطاني وتحديد يوم الاستقلال، وذكرى التوقيع على اتفاقية الوحدة الاندماجية لشطري الوطن، فعن أي المناسبتين سوف يتحدث الأستاذ راشد لقراء صحيفتنا الغراء؟
-الحديث عن مرحلة الكفاح ضد الاستعمار البريطاني وانتزاع الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م قد تضمنه كتابي الذي نزل إلى الأسواق.. ويبقى لي أن أتحدث عن المناسبة الوحدوية التي توجت باتفاقية الثلاثين من نوفمبر عام 1989م وهي الاتفاقية التي كانت الحصيلة النهائية لسلسلة من التطورات والتحضيرات التي قد لا يتسع لها كتاب.
الشمال الرجعي والجنوب التقدمي
*لكني أعبر عن رغبة القارئ في الاطلاع على أهم المحطات التي شكلت البداية لجدية الحوار بين قيادتي الشطرين على طريق إعادة وحدة الشعب والوطن؟
- دعنا نحدد البداية من يوم توقيع اتفاقية القاهرة في أكتوبر من عام 1972م، وهي الاتفاقية التي أتت بعد مواجهات عسكرية بين حكومتي الشطرين، وسأحاول المرور بإيجاز على بعض الوقائع والأحداث، بالرغم من أن الإيجاز قد لا يرضي رغبة القارئ في الإطلاع على كل التفاصيل المواكبة لهذه التطورات، إنما لا بد من التذكير أن اتفاقية القاهرة قد أتت بعد حرب بين الشطرين، قادت إلى احتلال متبادل لمناطق في الأطراف، وإحداث أضرار مادية وبشرية أرهقت النظامين وهما في وضع اقتصادي ومالي غاية في السوء والجفاف.. وكانت هذه الحرب قد أيقظت الأطراف الخارجية لتكثيف الاهتمام بأوضاع اليمن بتحديد طابع كل نظام وارتباطاته بالمحاور الخارجية التي كان الوضع فيها دوليا يتسم بالانقسام إلى رأسمالي واشتراكي، وانقسام الدول الإقليمية حينها بين مؤيد ومعارض للنظامين من واقع هذا التحديد الذي أكسب النظام في الجنوب الهوية التقدمية والنظام في الشمال الهوية الرجعية.. كل ذلك أتى في وقت كانت فيه الأوضاع الداخلية لا تحتمل هذا التقسيم في الهوية، وانعكس سلبا على واقع الحياة والتنمية الداخلية للبلد، وأثر على جوانب الاهتمام في تحسين الظروف المعيشية للمواطنين، وعرض الشطرين سلسلة من التوترات والصراعات التي ظلت تستنزف مواردهما وقدراتهما الاقتصادية والمالية.
من المواجهة الى طاولة المفاوضات
*ولكن كيف سارت التطورات بعد الحرب؟
-بعض الأطراف الخارجية -إقليميا، ودوليا- تحركت رغبتها باتجاه تهدئة الأمور بين الشطرين حين عهد للجامعة العربية أمر التدخل لوقف إطلاق النار، وتنظيم الانسحاب من المناطق المحتلة، وتحديد مواقع جديدة لقوات الطرفين على أطراف الشطرين، ومن ثم توقيع اتفاقية القاهرة التي نقلت الصراع من أسلوب المواجهة العسكرية إلى طاولة المفاوضات والحوارات المستمرة والتي كانت لجان الوحدة من الشطرين إطارا لهذا الحوار والمناقشات وذلك عبر تحديد المهام لهذه اللجان -وبالذات - الأساسية منها كلجنة الدستور الموكل إليها إعداد مشروع دستور دولة الوحدة.. واللجنة الاقتصادية الموكل إليها إعداد أسس النهج الاقتصادي الذي سيتبع في ظل دولة الوحدة، ولجنة الثقافة والتربية والإعلام التي أنيطت بها مهمة وضع المناهج للتربية والتعليم وجميع الأسس التربوية للمراحل الدراسية لمرحلة ما بعد الوحدة.. ولجنة المرافق، واللجنة التشريعية، ولجنة السياسة الخارجية، وبقية اللجان التي وضعت أسساً وضوابط للسياسة العامة التي ستنتهجها دولة الوحدة على كافة الصعد.. لأن الدستور يحتوي على اتجاهات قانونية عامة.. وعمل اللجان يحدد ويصيغ الأسس والضوابط التي تحكم وتتحكم بنهج الدولة وسياستها في النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقانونية بعد قيام دولة الوحدة، وقد سار النشاط الوحدوي من خلال عمل اللجان بالاتجاه الذي ساعد على امتصاص الكثير من أسباب الصراع، ومهد السبيل للقيادة في الشطرين، لأن تلتقي دوريا لمعالجة وحل كافة المشاكل التي تبرز بين حين وآخر.
هذا ماورد في تعميم المكتب السياسي
*وهل بعد ذلك توقفت المواجهات العسكرية؟
-استمر أعمال هذه اللجان.. يفتر أحيانا.. ويعود بنشاط أكبر في حين آخر.. وكان يجري هذا النشاط تحت إشراف مكتبي شئون الوحدة في صنعاء وعدن.. حتى تأزمت العلاقة بين الشطرين حين أخذت بطابع المواجهة العسكرية بين الجيشين في فبراير من عام 1979م وذلك بعد التطورات الدرامية التي أودت بحياة الرئيس الجنوبي سالم ربيع علي ثم أودت بعد ذلك بحياة الرئيس الشمالي أحمد الغشمي، وكان من نتيجة هذه الحرب أن تدخلت أطراف عربية عبر الجامعة العربية، لترتيب لقاءات بين المسئولين في الشطرين، لإنهاء المواجهات، وتنظيم الانسحاب من المناطق التي احتلت خلال هذه المواجهات العسكرية، وتوجت هذه اللقاءات باللقاء الذي تم بين الرئيسين الأخ/ علي عبدالله صالح، والأخ عبد الفتاح إسماعيل في دولة الكويت، الذي تمخض عنه إبرام اتفاقية وحدوية جديدة، سميت باتفاقية الكويت، تنص على إلزام اللجنة الدستورية بالانتهاء من مهمة إنجاز مشروع الدستور لدولة الوحدة خلال فترة زمنية حددت بأربعة أشهر من تاريخ توقيع اتفاقية الكويت.. غير أن هذه الفترة الزمنية التي حددت بأربعة أشهر لإنجاز مشروع الدستور -والتي تعني قرب إعلان الوحدة- قد ولدت ردود أفعال سياسية مضطربة وحادة لدى بعض الأطراف الخارجية، وبدأت على إثر ذلك تتشكل الضغوط على القيادات في اليمن، الأمر الذي أدى إلى عقد لقاء آخر في صنعاء في شهر أغسطس من عام 78م حضره من جانب القيادة في الجنوب الأخ علي ناصر محمد رئيس مجلس الوزراء لمناقشة هذه التطورات الدولية والإقليمية وانعكاساتها على الشطرين والتي أدت كما ورد في إحدى التعميمات للمكتب السياسي إلى التسرع في الاستجابة للضغوط الخارجية مما قاد إلى الوقوع في الأخطاء التي نقلت المعركة من أحشاء النظام في صنعاء إلى أحشاء الحزب الاشتراكي، الذي دفع الثمن غاليا نتيجة تسرعه في تقييم النتائج وعدم العمل بسياسات النفس الطويل في معالجة الاحتمالات سلبا وإيجابا.. وقد خرج لقاء صنعاء -الذي حضره رئيس وزراء الجنوب في أغسطس 1978م- ببيان يعيد النظر بالفترة الزمنية المحددة بأربعة أشهر لإنجاز مشروع الدستور، ويجعلها مدة مفتوحة، تباشر خلالها لجان الوحدة أعمالها وفق الإيقاع المحدد لها بالتمديد والتطويل حتى تأتي الظروف بتبدلات أخرى تفرض التحرك لإنجاز أعمال اللجان والانتهاء من مشروع الدستور الذي يشكل الأساس لأي توجه أو اتفاق وحدوي جاد..
إنشاء مجلس استخباراتي برئاسة اميركا
*أفهم من سياق الحديث أن التحرك الجاد نحو العمل الوحدوي كان مرهوناً بالظروف والتبدلات الخارجية أكثر من العوامل الداخلية؟
-من الطبيعي.. خاصة وأن المتابع لطبيعة المواجهات من واقع تلك الظروف بين النظام في الجنوب والقوى المتآمرة ضده من الخارج.. سيجد أن حجم المؤامرات كانت حادة وشديدة، بسبب انحياز النظام في الجنوب إلى المعسكر الاشتراكي العالمي.. الأمر الذي أدى إلى أن تأخذ المواجهة من قبل القوى الرجعية تحت القيادة الأمريكية طابع التنسيق في رسم الخطط لإسقاط النظام في الجنوب، وذلك بإنشاء مجلس التنسيق الاستخباري على مستوى مجموعة من الدول العربية برئاسة جهاز الاستخبارات الأمريكية.. ولم يتوقف نشاط هذا المجلس إلا بعد قيام دولة الوحدة.. وأعتقد أن حافظة الأمن والقيادة في الجنوب كان لديها أرشيف حافل بالمعلومات التي لم يستفد منها لإحباط المشاريع التآمرية التي أدت إلى تدمير الحزب والنظام من الداخل.. على أي حال -بدأت القيادتان في الشطرين في مطلع الثمانينات بالتحرك الذي اتسم بالهدوء لإنجاز خطوات وحدوية ملموسة بقيام المجلس اليمني، والتغلب على بعض المشاكل التي تتعلق بأوضاع المعارضة.. والخروج بصيغ تنسيقية جديدة تعزز الثقة بين المؤسسات والوزارات في الشطرين.. وتظهر إلى الوجود بعض الشركات المشتركة، في مجال السياحة، والنقل البري، والنفط، والكهرباء، وغيرها من المشاريع الوحدوية، التي مهدت لقيام حوار جاد ومسئول بعد أحداث 13 يناير 1986م والذي توج باتفاقية 30 نوفمبر 1989م وقيام الوحدة اليمنية الكاملة في الثاني والعشرين من مايو عام 1990م.
نقطة الخلاف على دستورالوحدة
*حتى أحداث 13 يناير هل اللجنة الدستورية لم تستكمل وثيقة مشروع الدستور لدولة الوحدة؟
-لا.. بعض لجان الوحدة كانت قد قطعت شوطا كبيرا في إنجاز أعمالها.. وذلك بعد الاجتماعات العديدة التي استمرت أعواما تجاوزت العشر سنوات حتى استكملت كل المهام المحددة لها في برنامج كل لجنة على حدة.. حيث استكملت اللجنة الدستورية أعمالها في 30/12/1981م بإنجاز مشروع الدستور الذي يحتوي على (136) مادة.. وتركت نقطة واحدة معلقة كان حولها الخلاف، وهي اعتبار الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.. أو المصدر الوحيد للتشريع.. وهي النقطة التي تم الاتفاق حولها بين الرئيسين عند إحالة المشروع إليهما لاتخاذ الإجراءات المكملة.. كما أنجزت اللجنة الاقتصادية أعمالها في 22/41983م، وأقرت الأسس العامة للنهج الاقتصادي الذي سيطبق في جميع القطاعات الاقتصادية.. وهكذا الحال بالنسبة لبقية اللجان التي أنهت أعمالها بالتوالي وقدمت نتائج ما توصلت إليه إلى المجلس اليمني ومن ثم إلى اللجنة الوزارية التي باشرت وضع اللمسات الأخيرة على الإجراءات القانونية التي تمكن من تحويل أعمال اللجنة إلى منهج متكامل لدولة الوحدة، يعتمد على الأسس والأهداف التي تم الاتفاق عليها وأقرت في المحاضر والبيانات الموقع عليها من الجانبين، وهي ثمرة جهود كبيرة، بذلها كبار المتخصصين والخبراء من الشطرين خلال سنوات الحوار، من بداية السبعينيات حتى عام 1990م يوم إعلان الدولة الموحدة لليمن.
تداعيات 13 يناير
*ماذا بعد أحداث 13 يناير 1986م.. كيف سارت العلاقة بين الشطرين ومواصلة العمل نحو إنجاز هدف الوحدة؟
-بعد أحداث الثالث عشر من يناير عام 1986م بداية شهدت العلاقة بين الشطرين توترات، أدت إلى إغلاق الطرق البرية ووقف تنقلات المواطنين مع وقف حركة الطيران، وإغلاق الاتصالات الهاتفية بين الشطرين وكذا تجميد العلاقات التجارية وفتح إذاعة خاصة تبث من الشمال لمهاجمة القيادة في الجنوب.. وقد استمرت العلاقة متوترة لمدة شهر بعد الأحداث حتى تم الترتيب لزيارة وفد من الجنوب.. وذلك عبر الاتصالات التي قام بها جانب الاتحاد السوفياتي مع حكومة الشمال بواسطة مندوبنا الدائم في الأمم المتحدة حينها المرحوم عبدالله الأشطل، الذي رافقني في زيارتي الأولى التي تمت في يوم 17 فبراير 1986م إلى مدينة الحديدة، وقد غادرنا عدن صباحا في طائرة اليمدا التي ظلت تحوم فوق أجواء الجنوب لمدة قاربت الساعة حتى سمح لقائد الطائرة بالدخول إلى أجواء الشطر الشمالي.. وعند وصولنا مطار الحديدة وعند سلم الطائرة أفصح وفد الشمال عن رغبته بأن تعود الطائرة التي أقلتنا إلى مطار عدن فورا حتى لا تثير تساؤلات من يشاهدها -حسب تعبيره- وفعلا طلبنا من طاقم الطائرة بأن يعود إلى عدن ومن ثم انتقلنا إلى دار الضيافة ليبدأ الحوار بين وزيري الوحدة والأعضاء المشاركين معهما من الشطرين.. واستمر النقاش والحوار لمدة يومين، تخللتها رحلة قام بها الأخ وزير الوحدة الأستاذ يحيى العرشي إلى مدينة صنعاء لإطلاع الأخ الرئيس على نتائج الحوار.. وكان همنا من هذه الزيارة أن نضع إخواننا في الشمال في صورة الأوضاع والتطورات التي جرت أثناء الأحداث المؤسفة، وتوضيح خلفية الصراع من وجهة نظر القيادة في الجنوب ومكتبها السياسي الذي زودنا بالتوجيهات التي تقضي باستعداده العمل على تحسين وتلطيف الأجواء بين الشطرين، وفتح حوار مباشر مع الإخوة في الشمال على أي مستوى يقترحه الإخوة، مع توقع المكتب السياسي من الإخوة في قيادة الشمال إعادة فتح الطرق وتنقل المواطنين بين الشطرين إلى سابق عهدها، بما في ذلك فتح الممرات الجوية، وفتح الاتصالات الهاتفية، وإعادة تسيير الحركة التجارية بين الشطرين.. وكان جانب الشطر الشمالي متجاوبا مع تخفيف أجواء التوتر وأكد بأن القضايا المثارة من جانب القيادة في الشطر الجنوبي تتطلب إجراءاً إداريا وليس فيها أي تعقيد، وهي محل دراسة من جانب القيادة في الشمال.. كما حرص جانب الشمال أن ينبه إلى أن القيادة في الجنوب لا بد وأن تدرك أن أمامها مهاماً كثيرة للتغلب على نتائج الأحداث.. ولا بد من اتخاذ خطوات تؤدي إلى عدم تكرار ما حصل من إراقة للدماء وحصد للأرواح.. وهذا يتطلب عملاً سياسياً يؤدي إلى إيقاف الحملات الإعلامية، وإعلان العفو العام كحل للمشكلة والعمل على عودة النازحين من خلال الحوار المباشر معهم، مع وقف الملاحقات وكفالة فرص العمل للجميع بعودتهم إلى مواقع أعمالهم وإعطائهم كافة الحقوق التي يكفلها الدستور.
القيادتان متمسكتان بالاتفاقيات
* هل أسهمت الزيارة فعلا في تلطيف الأجواء بين الشطرين وتحسين العلاقة بين القيادتين؟
- الزيارة كانت مفيدة من حيث تبادل الآراء واختبار النوايا، ووضع الإخوة في الشمال في صورة الأوضاع الجارية في الجنوب كما هي، بعيدا عن ما تروج له أجهزة الإعلام الخارجية، والأهم أن الالتزام قائم من الطرفين بالنتائج التي وصل إليها العمل الوحدوي، والتأكيد على تمسك القيادتين بهذه النتائج في إطار الاتفاقيات الموقعة والقرارات المتخذة خلال الحوارات والنشاطات الوحدوية المشتركة بين الشطرين.
اقتراحات شمالية لوقف تداعيات 13 يناير
* كيف حصل الانفراج وتطبيع العلاقة بين القيادتين في الشطرين؟
- بعد هذه الزيارة -التي لم يعلن عنها في وسائل إعلام الشطرين، بناء على طلب جانب الشطر الشمالي- قمت بزيارة ثانية إلى صنعاء بتاريخ 26 فبارير 1986م ولم يعلن عنها إعلاميا.. وفي هذه الزيارة واصلت الحوار مع زميلي وزير الوحدة في الشمال في نفس النقاط التي أثيرت في الزيارة السابقة بهدف تطبيع الأجواء بين الشطرين، بإعادة حركة التنقلات والاتصالات برا.. وجوا.. مع التأكيد على حرص القيادة في الجنوب بالعمل على عقد اجتماع سكرتارية المجلس اليمني لتحديد زمن انعقاد المجلس الأعلى وجدول أعماله الذي يتضمن نتائج أحداث 13 يناير، مع استعداد القيادة لمعالجة المشاكل التي بدأت تتحرك على الأطراف وذلك بتكليف وزيري الداخلية لبحث هذا الموضوع، مع التأكيد على اهتمام المكتب السياسي بكل القضايا التي يطرحها الإخوة في الشمال ومعالجتها حسب أولوياتها.. وقد كان من نتائج هذه الزيارة أن قدم جانب الشطر الشمالي مشروع محضر ومسودة اتفاقية يتضمن المحضر مقترحاً لتحقيق الوفاق بين الإخوة المتنازعين في الجنوب، يحتوي هذا المقترح على إيقاف الحملات الإعلامية المتبادلة بين طرفي النزاع في الحزب الاشتراكي، مع إعلان العفو العام، والالتزام الكامل بإيقاف الاعتقالات، وكفالة حق المشاركة لكل النازحين في الشمال في العمل وعودتهم إلى الحزب، مع كفالة العيش للجميع بسلام واستقرار، وتشكيل لجنة مشتركة من طرفي النزاع للتحقيق في أحداث 13 يناير ومعالجة نتائجها بما في ذلك الجانب السياسي والعسكري والأمني في الجنوب واستبعاد العناصر المتسببة في الأحداث من الجانبين.
كما تتضمن الاتفاقية -في موادها وبنودها- أن يلتزم الجانبان في الشطرين بسياسة الحوار والتفاهم وحماية الأمن والاستقرار بينهما، مع الالتزام الكامل بالاتفاقيات السابقة وبنتائج العمل الوحدوي الذي تم بين الشطرين حتى 13 يناير 1986م وتطوير العمل الوحدوي مستقبلا، والحرص الكامل على معالجة كل ما له صلة بشئون الأطراف، مع مباشرة العمل لإحياء لجنة التنظيم السياسي حتى يصل الجانبان إلى تصور مشترك للعمل السياسي الموحد، وصولا إلى إنشاء دولة الوحدة بجدية ومسئولية، يتبع ذلك أن تقوم سكرتارية المجلس اليمني بوضع تقييم لمستوى تنفيذ بنود الاتفاقيات السابقة الموقعة بين الشطرين، مع كافة القرارات ونتائج التنسيق واللقاءات، وتقديم هذا التقييم إلى أول اجتماع للمجلس اليمني الأعلى متضمنا مقترحات عملية لتنفيذ القرارات التي لم تنفذ، ووضع مقترحات لمعالجة أية قضايا مستجدة خارج الاتفاقيات النافذة، إلى جانب التأكيد على ضرورة العمل لتعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، ورفض أي نوع من التواجد العسكري الأجنبي في الأراضي اليمنية.
عودة إلى الأزمة
* يلاحظ أن الحوار لم يخرج عن إطار النقاط المثارة في اللقاء الأول؟
- في اللقاء الثالث الذي انعقد في مدينة صنعاء على إثر زيارتي الثالثة بتاريخ 6 إبريل 1986م حملت معي رد المكتب السياسي على صيغتي الاتفاقية والمحضر، والذي احتوى على تأكيد المكتب السياسي على مواصلة العمل الوحدوي وتطويره والالتزام بكل الاتفاقيات، والحرص على توفير وصيانة الأمن والاستقرار في ربوع الوطن، وأن لغة الحوار السلمي والأخوي هي الطريق لحل كل المشاكل والخلافات.. مع الرغبة في تطوير التعاون الملموس بين الشطرين في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها، أما ما يخص الموقف من نتائج أحداث 13 يناير، أكد المكتب السياسي على أن الأحداث الدامية التي حصلت في الجنوب من جراء المؤامرة شأن داخلي، القيادة كفيلة بمعالجتها بما يضمن إعادة الحياة إلى طبيعتها.. على أن الحرص يجب أن يتجه من جانب القيادتين في الشطرين باتجاه منع انعكاس آثار أحداث يناير على العلاقة والأوضاع في الشطرين، وأبرز المكتب السياسي في هذا الرد، بأن القيادة في الجنوب لن تسمح لأي جهة كانت باستغلال الأحداث للنيل من النظام الوطني في الجنوب والمساس بأمنه واستقراره أو التأثير على أمن واستقرار الوطن اليمني، وكان في الرد إشارة واضحة إلى أن علي ناصر ومجموعته خرقوا الشرعية الحزبية والدستورية عندما أطلقوا النار معرضين بذلك أمن واستقرار الجنوب وكل الوطن اليمني للخطر، وذكر رد المكتب السياسي الإخوة في الشمال بالموافقة التي اتبعوها أثناء الأحداث بتأييد مبادرة ياسر عرفات بالتدخل عسكريا، والانحياز الكامل لصالح الزمرة، وإيقاف حركة الوصل والاتصال بين الشطرين والبرقية التي عممتها وزارة خارجية الشمال على سفاراتها في الخارج، وتقديم الدعم السياسي والإعلامي للزمرة. والتشهير المقصود وعكس الحقائق عن واقع الأوضاع في الجنوب، والإصرار على إثارة القضايا بين الشطرين ورفض المعالجة لها في إطار الاتفاقات الموقعة ومتابعتها بصورة عادية ضمن الأطر والهيئات المقرة، وحدد المكتب السياسي اتجاهات الحوار برفض أي تدخل في الشئون الداخلية بشأن معالجة أحداث 13 يناير وبرفض المحضر والمقترحات، ومطالبة الإخوة في الشمال بدعم جهود القيادة في الجنوب لاحتواء آثار المؤامرة، وذلك بعدم تقديم أية مساعدات سياسية وإعلامية وعسكرية لعلي ناصر ومجموعته مع إغلاق المعسكرات والتدريبات العسكرية، والاستعاضة بتشجيع عودة الهاربين وستعالج قضاياهم وفق قرار العفو العام الصادر يوم 29 مارس 1986م، وعبر المكتب السياسي -في رده على مسودة الاتفاق والمحضر- عن استعداده لتوقيع اتفاق بين الرئيسين يصدر عن اجتماع المجلس اليمني الأعلى يشمل الالتزام بكل الاتفاقيات الموقعة، معالتأكيد على بعض المسائل الرئيسية التي شملتها الاتفاقات السابقة، مع تقييم مستوى تنفيذها.
بعد هذا اللقاء الساخن بفعل ردود المكتب السياسي.. كان أول لقاء لي بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح بعد الأحداث، وهو اللقاء الذي عبر فيه عن أسفه لهذه الردود الجافة.. وقال بالحرف: بلغ الإخوة في الجنوب بأن قيادة الشمال لا تفكر بالتدخل في شئونهم الداخلية، كما عليهم أن يعالجوا مشاكل الأعداد الكبيرة التي نزحت إلى الشمال من قيادات وقواعد الحزب والسلطة لأننا غير قادرين على تحمل أعباء مشاكلهم الداخلية،.. مهما توتروا أو تشنجوا ضد الشمال لن أجاريهم حتى لو هاجموا واحتلوا أجزاء من أراضي الشمال لن أبادلهم الهجوم.. عليهم التفكير بمسئولية لمعالجة نتائج الأحداث التي حصلت. بعد الزيارة الثالثة لصنعاء التي كانت أكثر سخونة من الزيارات السابقة توقف الحوار بين الشطرين لمدة شهرين أو أكثر من الزمن.
ضغط الظروف الداخلية
* يبدو أن إغلاق الأجواء أو وقف حركة الاتصالات وإغلاق الطرقات من جانب الشمال واستمرارها لوقت أطول قد جعلت الحوارات تسير في أجواء غير طبيعية، كيف خرجت القيادتان بعد ذلك إلى حلحلة هذه الأجواء المعيقة للحوار الجاد والبناء..؟
- استنتاجك في محله.. كان لا بد من توفير شروط أفضل في أجواء العلاقات بين الشطرين بعد الأحداث الدامية التي حصلت في 13 يناير 86م والحوار بين القيادتين لا يمكن اعتباره حوارا بناء دون أن تتوفر له عناصر الثقة بين القيادتين اللتين تقع على كاهلهما مسئولية استقرار الوطن وإنجاز المهام الكبيرة في جانب التنمية وتحسين المستوى المعيشي للشعب والعمل من أجل إنجاز هدف الشعب في الوحدة والتقدم الاجتماعي الزاهر.. لذلك كانت الظروف الداخلية تضغط بقوة على القيادتين للخروج بالأوضاع إلى مستوى من التفكير المسئول الذي يصنع قضايا الوطن والشعب في إطار العمل الهادف والكبير الذي يخرج الشعب اليمني من دوامة الصراعات السياسية الضيقة بالتوجه نحو استكمال العمل من أجل إنجاز هدف الوحدة للشعب والوطن.
الرئيس يقترح طلوع السيلى إلى الشمال
* الزيارات كانت تتم من الجنوب إلى الشمال؟
- نعم الظروف كانت تحتم ذلك.. وقد أثمرت الاتصالات عبر الخارج أن نعاود الزيارات، وقد قمت في الزيارة الرابعة إلى صنعاء بتاريخ 18 يونيو 1986م ودار النقاش والحوار بيني وبين الأخ وزير الوحدة في الشمال حول المقترحات التي تضمنها مشروع المحضر المقدم من جانب الشطر الشمالي.. وكانت حصيلة النقاشات أن أعيد نقل المحضر مجرداً إلى الجنوب لأخذ التوجيهات إما بالتوقيع عليه أو عدمه، وقد حملت المحضر مشفوعا بمقترح من الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بأن يتم طلوع الأخ وزير الداخلية في الجنوب للحوار المباشر مع مجموعة علي ناصر في الشمال، وقد أتت زيارتي الرابعة إلى الشمال بعد أن أعادت حكومة الشمال فتح الأجواء والاتصالات والطرقات بصورة تدريجية وتهيئة الأجواء لتعزيز عوامل الثقة بين القيادتين من أجل الانتقال إلى مواقع أفضل للتفاهم والحوار حول القضايا المطروحة أمام القيادتين في الشطرين.
مطالب الزمرة أكثر توسعا
* ما مصير المحضر؟
- مشروع المحضر قدم للمكتب السياسي وفضل الأخذ بالمقترح الذي يقضي بسفر الأخ صالح منصر السيلي وزير الداخلية إلى صنعاء لغرض اللقاء المباشر بالمجاميع الهاربة من الجنوب.. وقد تم اللقاء بتاريخ 26/6/1986م، حيث باشر وزير الداخلية الحوار مع مجموعة يمثلون النازحين بعد أحداث 13 يناير.. وقدموا مطالبهم التي كانت أكثر توسعا وتشددا من المطالب التي تضمنها مشروع المحضر السابق.. وتم ترتيب هذه المطالب في محضر يوقع عليه من الجانبين.. عبدالله أحمد غانم، وصالح منصر السيلي، إلا أن مشروع المحضر لم يتم التوقيع عليه بعد أن أخذ كمشروع إلى المكتب السياسي في عدن.
هذا ما دار في الاجتماع مع القذافي
* ألم يتضح لكم ما يريد أن يصل إليه جانب الشطر الشمالي؟
- المكتب السياسي كان بعد كل زيارة أو لقاء يخرج باستنتاجات، مفادها أن النظام في الشمال لا بد وأن يستفيد من نتائج الأحداث والتطورات التي حصلت في الجنوب، وهذه الاستفادة بالضرورة يجب أن يطوعها لتوفير شروط الاستقطاب الجماهيري على مستوى الشطرين، ومن ثم العمل على وضع النظام في الجنوب أمام خيار واحد في التحرك لمعالجة مشاكله الداخلية وقضايا العلاقة بين الشطرين في إطار الاتفاقيات الوحدوية بين النظامين، ولكن بالشروط التي تضع النظام في الشمال في موقع المتحكم والضاغط على القيادة في الجنوب، بحيث تستجيب في كل الحوارات والنقاشات لأهمية وجدية الخطوات الوحدوية التي يجب أن يسير عليها النشاط الوحدوي نحو تنفيذ مشروع الدستور وتحقيق الوحدة الاندماجية كحل من وجهة نظر الشمال لكافة المشاكل القائمة داخل الشطرين.
التعاطف الليبي تحول مع الشمال
*واضح أن قضية الوحدة لم تكن في أولوية الحوار حتى لحظة اللقاء مع وزير الداخلية الجنوبي في صنعاء؟
-كان الإصرار من جانب الجنوب أن نبدأ بمعالجة موضوع النازحين كخطوة نحو تطبيع الأوضاع بين الشطرين، يترافق مع ذلك إعادة الحياة للنشاط الوحدوي في إطار الاتفاقيات الموقعة بين الشطرين ومن خلال تفعيل عمل المجلس اليمني وأعمال اللجان الوحدوية وغيرها من المؤسسات والنشاطات الأخرى.. إلا أن هذه الأولوية تغيرت في اللقاء السادس الذي تم في نهاية يوليو 86م تقريبا بين الرئيسين في طرابلس ليبيا برعاية العقيد معمر القذافي. وفي هذا اللقاء طرح جانب الشطر الشمالي موضوع إحالة مشروع دستور دولة الوحدة إلى مجلسي الشعب والشورى في الشطرين ومن ثم اتخاذ الخطوات الإجرائية للاستفتاء عليه وإنجاز خطوات الوحدة الاندماجية.. ويبدو أن معمر القذافي كان يميل إلى هذا المقترح من تقديره أن المشاكل السياسية والاقتصادية المعقدة داخل اليمن كلها لا يمكن أن تحل أو تعالج إلا في ظل قيام الوحدة اليمنية، وقد عبر عن هذه القناعة في أكثر من لقاء ثم مع المسئولين الليبيين بعد أحداث الثالث عشر من يناير 1986م وكان رأي رئيس الشطر الجنوبي أن العمل الوحدوي لا يمكن القفز به إلى إقرار مشروع الدستور دون الأخذ بفترة زمنية لتقييم العمل الوحدوي بكل الخطوات التي تمت في السابق وإعادة تنشيط الهيئات واللجان المشتركة التي بها يتم التمهيد للخطوات اللاحقة نحو الوحدة الاندماجية.. وبعد أن تشعب النقاش بين الجانبين تقدم رئيس مجلس الرئاسة في الجنوب بمقترح يعبر عن استعداد الجنوب للدخول في وحدة عربية تضم إلى جانب شطري اليمن الجمهورية الليبية العظمى الأمر الذي جعل الرئيس القذافي يعزف عن الحديث تعبيرا عن رغبته بإنهاء الحوار، في الوقت الذي بادر فيه رئيس الشطر الشمالي بالحديث قائلا: نحن لا نعرف ما الذي يريده الإخوة في الجنوب.. نحن طلبنا تطبيق مشروع الدستور للسير نحو تحقيق هدف الوحدة.. ولكن الإخوة يتهربون من العمل بالاتفاقيات الموقعة بيننا، بل يريدون عملاً وحدوياً على هامش هذا الدستور، لكي يأخذ بالصيغ التي لا تؤدي بنا إلى نتيجة عملية لإعادة تحقيق الوحدة وحل المشاكل العالقة والتي تتعقد يوما عن يوم.
ثم غادر الأخ رئيس الشطر الشمالي مباشرة بعد خروجه من الاجتماع، وبقي الأخ رئيس مجلس الرئاسة في الجنوب لمواصلة الحوار مع الليبيين حول مشروع الوحدة العربية.. إلا أن الرئيس معمر القذافي اعتذر عن الاجتماع أو مواصلة الحوار في هذا الجانب.. وترك أمر اللقاء مع رئيس مجلس الرئاسة لنائبه عبدالسلام جلود، الذي عبر عن عدم رغبته الخوض في أي حوار حول هذه المسألة.. وهكذا عدنا أدراجنا بعد أن تحول التعاطف الليبي مع وجهة نظر القيادة في الشطر الشمالي من الوطن.
قضية النازحين ومقترح حواتمة
* هنا وفي لقاء القمة كانت قضية الوحدة في الصدارة على طاولة الحوار بين القيادتين.. كيف انتظمت اللقاءات بعد هذا الخلاف في قمة ليبيا؟
- المكتب السياسي بذل جهدا واسعا في التحرك من أجل مواصلة اللقاءات والحوار من خلال الاتصالات التلفونية بين الأمين العام الأخ علي سالم البيض والأخ الرئيس علي عبدالله صالح، وكان من نتيجة هذه الاتصالات ترتيب زيارة لوزير الوحدة في الجنوب للقاء بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح في مدينة تعز، وذلك بتاريخ 19/8/1986م حيث قدم الأخ الرئيس علي عبدالله صالح في هذا اللقاء المقترحين التاليين:
1- أن يتم لقاء بينه والأخ/ علي سالم البيض غير معلن لمناقشة قضية الهاربين، والعلاقة بين الشطرين وإعلان اللقاء في حالة الوصول إلى نتائج.
2- أو يتم لقاء بين الأخ سعيد صالح والهاربين مباشرة لإقناعهم بالعودة وتوفير الضمانات الكافية لهم.
بعد هذا اللقاء تمت زيارة نايف حواتمة الأمين العام للجبهة الديمقراطية الفلسطينية إلى الشطر الشمالي، حيث حمل معه مقترحا إلى القيادة في الجنوب من الاخ الرئيس علي عبدالله صالح يقضي بأن الشطر الشمالي سيعمل على إرسال وفد رسمي إلى عدن يصطحب معه أشخاصا من الهاربين لمناقشة الإخوة في الجنوب حول توفير الضمانات لعودة الهاربين الذين شملهم العفو العام.. وفي اللقاء الذي جمع وفد الجنوب المشارك في احتفالات 26 سبتمبر 1986م برئاسة وزير الدفاع بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح كرر الرئيس المقترح الذي عرضه على الأستاذ نايف حواتمة.
بعد هذا اللقاء وصل الوسيط إبراهيم الأمين من السودان إلى صنعاء ومن ثم إلى عدن الذي عرض على الجانبين مقترحات انحصرت في معالجة أوضاع الهاربين التي لم تخرج عن إطار المطالب المطروحة في اللقاءات السابقة.. وفي الذكرى الثالثة والعشرين لثورة 14 أكتوبر حضر وفد من الشمال للمشاركة في هذه المناسبة، حيث التقى وزير الوحدة الشمالي بالأخ/ الأمين العام علي سالم البيض الذي سلمه وجهة نظر القيادة في الجنوب بصيغة أسس لمعالجة أوضاع الهاربين، وهي نفس الأسس التي قدمت للوفد السوداني.
المكتب السياسي يعبر عن مخاوفه من الشمال
* اسمح لي هنا بالملاحظة.. إن قضية النازحين والعلاقة بين القيادتين في الشطرين بدأت تخرج من إطارها المحلي إلى الإطار العربي وهي تسير نحو التعقيد أكثر؟
- فعلا.. هنا المكتب السياسي أنزل تعميما للهيئات القيادية في الحزب يعبر فيه عن مخاوفه من أن النظام في الشمال يعمل وبتخطيط مسبق ومحكم وبالتنسيق مع الدوائر المعادية للنظام في الجنوب على استخدام قضية الهاربين كقضية سياسية يضغط بها لإضعاف النظام وزيادة المتاعب الداخلية في النواحي الاقتصادية والأمنية واستغلال حالة الفتور التي أصابت علاقة النظام في الجنوب ببعض الأنظمة العربية، وذلك بتكثيف نشاطه الخارجي بغرض قلب الحقائق، وتشويه مضامين الإجراءات التي اتخذها النظام لتطبيع الأوضاع الداخلية، ومحاولة تعريب قضية الهاربين بل وتدويلها إن أمكن.. وذلك من خلال تأليب العديد من الأنظمة العربية على النظام في الجنوب، وجعل هذه المسألة الهم اليومي المباشر والمادة الأساسية في الحملات الإعلامية المعادية التي تضاعفت في الآونة الأخيرة.
البيض يمسك بملف الوحدة
* المعركة سياسية وواضحة بين الشطرين.. والمعركة لها شروطها التي تجعل كل طرف يصل إلى النتيجة التي يريدها.. ما هي الشروط المتاحة للقيادة في الجنوب للخروج من إطار الرغبة في حل القضايا بالمقترحات التي تطرح.. إلى نطاق التكافؤ في المواجهة وتحقيق ما تريد؟
- الحقيقة التقديرات التي كانت تتحرك في أذهان القيادة حينها.. وبالذات لدى الأمين العام وبعض العناصر في المكتب السياسي كانت تؤشر إلى أن وعي المواطن في الجنوب يتجه نحو خيار الوحدة لوقف دورات العنف التي أرهقت الإنسان والمجتمع، إلى جانب الانقسام الذي حصل داخل الحزب والمجتمع جراء النزوح الواسع إلى شمال الوطن، وبسبب القتل الذي أودى بحياة الآلاف من الكوادر الذي شمل كل أسرة وبيت.. لذلك كان الأمين العام خلال هذه الفترة التي مر فيها الحوار بين الشطرين يفكر بالوسيلة التي تعيد الثقة والطمأنينة إلى نفوس المواطنين، وكيف يغطي الفراغ القيادي الذي تركته القيادات الجماهيرية التي توفاها الله في ميدان الشهادة.. خاصة وأن الإحساس بالفراغ القيادي كان ينتاب الجميع.. وهذا الهم كان يقع على كاهل الأخ علي سالم البيض الأمين عام للحزب الذي بقي من القيادات الفاعلة في المكتب السياسي تساعده عناصر محدودة في هذا المكتب.. كل ذلك جعل الأمين العام لوحده في موقع المسئولية وأمانة الوفاء للمبادئ والأهداف التي تخلق بها وعيه السياسي والوطني منذ انخراطه في معمعان النضال ضد الوجود الاستعماري حتى لحظة تقلده منصب الأمين العام.. وكان يتميز عن غيره أنه قد ابتلي بالمعاناة التي أفرزتها الصراعات المتكررة، ولم يصب -كما هو حال غيره - بفرحة الوصول إلى مواقع الحكم الرئيسية والتشبث بها، أو تحركه لهفة البقاء في موقع الحكم عندما يحدد نظرته لقضايا الشعب والوطن بأن تكون فقط من أجل البقاء وليس غير البقاء في هذا المنصب أو ذاك.. لذلك وبمساعدة بعض أعضاء المكتب السياسي اتخذ القرار الذي وضع قضية العلاقة بين الشطرين بيد الأمين العام كقضية داخلية ثبتها الحزب في وثائقه وأدبياته المختلفة، وفي صيغة الدستور المعمول به في الشطر الجنوبي من الوطن.
وساطة كويتية لرأب الصدع
* إذن هذا التحول في نقل مسئولية العلاقة بين الشطرين إلى يد الأمين العام هل اتسم بالجدية فعلا.. وهل حقق أي تقدم في مسار الحوار بين الشطرين؟
- الجدية كانت موجودة.. ولكن البداية في الحوار مع القيادة في الشطر الشمالي اقترنت بالرغبة في قراءة التطورات التي أعقبت الأحداث الدامية، ومعرفة ما عكسته هذه التطورات من أبعاد على التفكير السياسي لقيادة الشمال مع رصد التحركات المعادية للنظام في الجنوب وتقدير حجمها أو تأثيرها بعد الانقسام الحاد الذي حصل في إطار الحزب والمجتمع الذي تسبب في النزوح الواسع إلى أراضي الشمال والخارج. وبعد هذه البداية من اللقاءات والحوارات دخلت الوساطة الكويتية إلى ميدان المشاركة التي مثلها في اجتماع صنعاء سعود العصيمي وزير الدولة للشئون الخارجية والذي تم في يوم 8/2/1987م حيث كرس جهوده في حل مشكلة النازحين وظل يتحرك بين صنعاء وعدن، مع عقد الاجتماعات التي ضمت المتحاورين في الشطرين، ولم تحقق أي نجاح يذكر.. بل استخلص أن المعالجة للمشاكل لا بد وأن تكون شاملة في نطاق العمل الوحدوي المشترك بين الشطرين.. لأن المتاعب التي تراكمت جراء الصراعات السياسية قد أنهكت النظامين وزادت من تعقيد الأوضاع الداخلية في الشطرين مما يحتم الخروج بمعالجات جذرية في إطار الحوار السياسي السلمي أو أنها سوف تقود إلى مزيد من الاحتدامات والصراعات التي تضاعف من التعقيدات وتجر إلى المزيد من المآسي الضارة والمدمرة لمستقبل الشعب والوطن.
* الاستطراد في التفاصيل شيق ومهم.. لكن دعنا ننتقل إلى المحطات القادمة في هذا المسار التاريخي الهام؟
- استمرت اللقاءات بين وزيري الوحدة في الشطرين.. وأخذت وسيلة الاتصالات التلفونية بين الأخ الامين العام والأخ رئيس الجمهورية في الشمال تمهد للقاء القمة الذي تم بزيارة للأخ علي سالم البيض إلى العاصمة صنعاء والاجتماع بأخيه علي عبدالله صالح.. هذه الزيارة التي استبشرت بها الجماهير على مستوى الشطرين وقد تحدد جدول هذا اللقاء على مستوى القمة ليتضمن تقريرا عاما عن العمل الوحدوي، وتصوراً خاصاً بمشروع دستور دولة الوحدة، وكذا تصوراً حول تطبيق المادة التاسعة من بيان طرابلس بشأن إنشاء التنظيم السياسي، ومناقشة الجدول الزمني لإنجاز أعمال اللجان الوحدوية، وكذا وضع المقترحات بعودة الهاربين. ومن أجل الوصول إلى اتفاق حول القضايا الرئيسية للزيارة شكلت من الجانبين لجنتان.. الأولى للنظر في المشاكل المتعلقة بعودة الهاربين، والثانية للنظر في مسائل العمل الوحدوي المشترك ومشروع الدستور، وقد قدم وفد الشطر الجنوبي تصورا بشأن الخطوات الوحدوية ومشروع الدستور تضمن:
1- الالتزام الكامل بنتائج العمل الوحدوي الذي تم بين الشطرين حتى يوم 13 يناير 1986م.
2- إحياء لجنة التنظيم السياسي الموحد، للعمل على الخروج بتصور مشترك للعمل السياسي الموحد مع وضع برنامج زمني لتنفيذ ذلك.
3- استكمال أعمال بقية اللجان الوحدوية من خلال برنامج زمني يتفق عليه الطرفان، وتحديد موعد انعقاد اللجان في أقرب وقت ممكن.
4- ضرورة مصادقة المجلس اليمني على مشروع الدستور خلال شهرين، وإحالته إلى مجلسي الشعب والشورى في الشطرين لمناقشته وإقراره كمشروع في فترة لا تتجاوز أربعة أشهر من إحالته من المجلس اليمني، وفور الانتهاء من إقرار المشروع في مجلس الشعب، يشكل المجلس اليمني لجنة للاستفتاء، وتتولى اللجنة إنزال مشروع الدستور على الجماهير لمناقشته وشرحه وأخذ الملاحظات عليه ورفعها إلى المجلس اليمني. مع وضع خطة إعلامية للتوعية بالمشروع، بعد ذلك تتم عملية الاستفتاء النهائي في ضوء قرار المجلس اليمني الأعلى.. وتضع اللجنة المذكورة برنامجا زمنيا للانتهاء من مهامها في موعد لا يتجاوز 26 سبتمبر من عام 1988م. أما جانب الشطر الشمالي فقد أصر على أن يتركز النقاش حول المصادقة الفورية على مشروع الدستور في هذه الزيارة، كما أقرته اللجنة الدستورية دون أن يخضع للمناقشة الجماهيرية أو يجري أي تعديل عليه، لا من قبل مجلس الشعب ولا الجماهير في الشطرين، على أن يتم الاستفتاء على الدستور على المستوى الشعبي.. بلا .. أو نعم.. مع الرفض القاطع لأية مناقشة جماهيرية للدستور.. كما ربط جانب الشطر الشمالي تطبيع العلاقة بين الشطرين بتحقيق الوحدة الفورية. وفيما يتعلق بقضية الهاربين تجنب الإخوة في الشطر الشمالي مناقشتها بصورة مستقلة، وحاولوا ربطها بالتوصل إلى اتفاق حول النقطة الأولى، إلا أنهم وافقوا على تشكيل لجنة مشتركة بشأنها.
وعلى الرغم من أن الزيارة لم تخرج بنتائج محددة، إلا أن الجميع لم يقللوا من أهميتها السياسية من واقع تلك الظروف.. وشكلت بداية جادة على مستوى التطور اللاحق للعلاقة بين الشطرين.. وكان الإحساس الذي خرج به وفد الجنوب أن الموقف الذي اتخذه قد جسد المضمون الحقيقي للوحدة الذي اختطه الحزب في أدبياته ووثائقه وأن النقاش في هذا اللقاء بدأ يأخذ طابع الهجوم من جانب وفد الجنوب.. الأمر الذي وضع جانب الشمال أمام خيار حاسم في تحديد مستوى وجدية الحوار الذي يجب أن ينقل العلاقة بين الشطرين إلى إطار الخطوات العملية لتنفيذ مشروع الدستور وتحقيق هدف الوحدة المنشودة.
بعد هذا اللقاء الذي حرك اهتمام القيادة نحو العمل الوحدوي، الذي بشر بخطوات عملية باتجاه تطبيق مشروع الدستور، بدأت التفاعلات في الأوساط السياسية والجماهيرية تتجه باهتمامها إلى متابعة ما يجري في كواليس القيادتين في الشطرين، وأخذ هذا الاهتمام شكل التحريض الجماهيري للضغط على قيادتي الشطرين لأن تأخذ بالاعتبار الإرادة الجياشة لهذه الجماهير التي تعلق كل آمالها على هدف الوحدة اليمنية والمتمثل بالإجراءات التي يجب أن تتخذها القيادتان لتطبيق مشروع الدستور وتحقيق الوحدة الاندماجية الكاملة.
هكذا تحدث البيض عن 13 يناير
*وهل هذا الطرح المباشر لتطبيق مشروع الدستور.. كان بهدف الاستقطاب الجماهيري، والمراوغة السياسية.. أم كان يعبر عن التوجه الجاد نحو الوحدة؟
-لا .. لا الأمين العام كان صادقا في مشاعره.. وكان يتكلم في المحادثات بلغة القيادي الواثق عن اتخاذ القرار.. والقرار التاريخي الحاسم الذي يصنع حدا للانهيارات في إطار السلطة والمجتمع.. وكان يدرك -من خلال المعلومات التي تصله باستمرار- أن القوى المعادية تتحرك لإنضاج ظروف المراهنة على تعميق عوامل التفكك الداخلية وإحداث تصدعات وكوارث جديدة تودي بما تبقى من القيادات وتقضي على نوازع الثقة القائمة بين هذه القيادات والمجتمع.. حتى أنه في الكلمة التي ألقاها أثناء هذا اللقاء في صنعاء تحدث -والألم يقطر من ثنايا قلبه- عن الأحداث الدامية التي حصلت في الثالث عشر من يناير قائلا: الأحداث التي تمت ليست من شيم الإنسان اليمني وتعكس الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة.. مخاطبا الحضور.. أيها الإخوة نحن خرجنا من تحت الأنقاض.. ننشد العدالة والسلام لشعبنا.. لكل شعبنا اليمني.. لدينا عادات وتقاليد تعلمنا كيف نتعامل مع أنفسنا ومع الأعداء.. نحن على استعداد للمصالحة وعودة كل الناس إلى ديارهم وأعمالهم السابقة.. كما أننا على استعداد أن نعالج الآثار المحزنة بجدية تامة، وبروح المسئولية التي تحتم علينا الخروج إلى ميدان المحبة والسلام والتكاتف.. ولا نريد لهذه الأحداث والتطورات أن تترك أثرها على كل اليمن.. نحن قد قطعنا أشواطا.. ولدينا مقترحات للمعالجة ويمكن أن نقدمها في جدول الأعمال.. وأعداء الشعب اليمني يدركون أن الوحدة قوته وعزته.. نحن نريدها الآن بقوة أكثر.. خاصة الآن وفي هذه الظروف، لأننا في سباق مع الزمن، نريد أن نتفرغ للتنمية ونحسن من معيشة شعبنا، وأن نرفع من مستوى حياته.. علينا أن نباشر العمل الذي يمهد للإنجاز العظيم.. نريد أن تشعر الجماهير أننا فعلا صادقون وعلى طريق الوحدة سائرون.. لدينا أوراق وحدوية كثيرة ونحن نريد اختزالها في وريقات.. تحدد المجال لخطوات ملموسة ومحسوسة للشعب حتى يمكن أن يفهمها ويدافع عنها.. وهي متروكة للنقاش.. نحن نريد أن نشوف يوم الإنجاز الوحدوي ولو ليوم واحد قبل أن نموت ونناقشها كمواطنين لأن الناس في الخارج.. والعالم ينظرون إلينا ليس كجنوبيين أو شماليين ولكن كيمنيين نتحمل المسئولية جميعا. كانت هذه الكلمة أصدق تعبير عن الإحساس الذي يجتاح مشاعر الأمين العام، ويحدد مدى استشعاره بحجم المسئولية تجاه الشعب والوطن وهو في موقع صنع القرار.. لا يستهين بهذه المسئولية ولا يستهتر بمشاعر الشعب وعواطفه الجياشة التي تنادي بتحقيق الوحدة اليمنية وإخراجه من تحت أرزاء المحن إلى رحاب التنمية والتطور والسلام.. هكذا كانت عواطف الجماهير.. وهكذا كان حلم الشعب..
وهكذا تحدث الرئيس صالح عن الوحدة
*ماذا بعد.. وكيف كان التحرك نحو هذا الهدف؟
-في 25/9/1987م ذهب وفد من الجنوب برئاسة رئيس مجلس الرئاسة للمشاركة في احتفالات العيد الفضي لثورة 26 سبتمبر.. وكانت توجيهات المكتب السياسي بأن تحصر مهمة الوفد للمشاركة في الاحتفالات فقط، وأن لا يخوض في أي قضية من قضايا العلاقة بين الشطرين.. وتم لقاء الوفد بالأخ الرئيس علي عبدالله صالح يوم 27/9 في تمام الساعة الثامنة والنصف مساء.. وبعد أن تبادل الوفدان الحديث حول الاحتفالات، وعبر الأخ الرئيس عن ترحيبه بهذه الزيارة ومشاركة الإخوة في الجنوب على هذا المستوى بالاحتفالات الوطنية وعقب الانتهاء من تبادل الكلمات الودية -كما أشار تقرير رئيس هيئة الرئاسة - تم الانتقال إلى مناقشة العلاقات بين الشطرين، والحديث طبعا لجانب الشطر الشمالي، سبق ذلك فترة صمت، كان المفروض أن يستأذن وفد الجنوب بالمغادرة، ولما لم يتم ذلك بادر الأخ الرئيس علي عبدالله صالح بالحديث عن العلاقات الأخوية، وأهمية اللقاء الذي تم بينه والأمين العام في شهر يوليو من نفس العام، ثم تحدث رئيس مجلس الرئاسة في الجنوب، مؤكدا على موقف قيادة الشطر الجنوبي من أهمية مواصلة الحوارات والجهود المشتركة من أجل تحقيق الوحدة اليمنية.. وطالب بضرورة تذليل المصاعب التي تعترض طريق الوحدة.. مثل انتقال المواطنين، وتبادل المنتجات الوطنية، ووقف المضايقات التي يتعرض لها المواطنون، وطلب بأهمية توجيه العمل الوحدوي في الفترة القادمة نحن التنسيق في المجالات التي ترتبط بحياة الشعب واقتصاد البلد، كما طالب أن يتم اتفاق على عقد المجلس اليمني الأعلى لوضع برنامج زمني يحتوي مهاماً محددة بخطوات وحدوية ملموسة في مختلف المجالات تتم على مدى خمس سنوات، مع تشكيل آلية متكاملة لإدارة هذه الخطوات، ويشمل هذا البرنامج استكمال الإجراءات الخاصة بالدستور الذي ستتوج به خطواتنا الوحدوية. بعد ذلك تحدث الأخ الرئيس عن جانب الشطر الشمالي في قضايا كثيرة منها قضية النازحين، والتوترات التي جرت بين الشطرين إلى أن وصل إلى تقديم اقتراحات محددة، أن يعقد اجتماع مشترك للجنة الدائمة واللجنة المركزية لمعالجة مشاكل الوطن وقيام الوحدة على أساس الدستور الذي أنجزته اللجنة المشتركة.. أو أن يعلن الجنوب رغبته بأن تقوم العلاقة بين الشطرين على أساس التعامل بين دولتين، أو الإعلان عن تأجيل الوحدة.. قولوا سنة، أو خمس سنوات، أو عشر أو عشرين سنة، اعلنوا رأيكم هذا إن كنتم لا ترغبون بوحدة اندماجية وفقا لدستور دولة الوحدة.. إن كنتم خائفين تعالوا نعمل أي صيغة ممكنة. كان رد رئيس هيئة الرئاسة في الجنوب على حديث الرئيس، بأن الالتزام بصيغة الدستور قائم من جانب الجنوب، واقتراح اجتماع اللجنة الوزارية المشتركة أو المجلس اليمني الأعلى لمناقشة البرنامج الزمني لمرحلة انتقالية لمدة خمس سنوات.. فقال له الرئيس علي عبدالله صالح قدموا لنا البرنامج ونحن سنعمل على عرضه للقيادة هنا لمناقشته.. فطلب رئيس وفد الجنوب أن يجتمع وزيرا الوحدة في الشطرين هذا المساء لإعداد البرنامج، ووافق جانب الشمال على ذلك.
* وهل تم الاجتماع..؟
-عندما عدنا إلى مقر إقامتنا في دار الضيافة.. حاولت أن أوضح للأخ رئيس هيئة رئاسة مجلس الشعب حيدر العطاس أنني لم أحضر ومعي المعاونون، والقانونيون، والطباعون، لأن المشروع لا بد أن يتم إعداده بصيغة قانونية لا تتعارض مع الصيغ السابقة.. إلا أنه انبرى صارخا.. أنا رئيس يجب أن تنفذ أوامري.. أنا رئيس .. أنا رئيس.. وبعد لحظات من الاندهاش والاستغراب من جانبي.. حاولت أن أنبهه بهدوء تام أن مقر الإقامة مسكون في كل زواياه بأجهزة التنصت.. ولطفت من صراخه بأنني سأجتمع بالأخ وزير الوحدة في الشمال لإعداد الاتجاهات.. ثم وبعد لحظات من هذا الصراخ المفتعل حضر الأخ/ يحيى العرشي وزير الوحدة يطالبني بالبرنامج الزمني.. وبعد مداولات ونقاشات دارت بيني وبينه طلبت منه أن يعود إلينا في صباح اليوم التالي لأخذ البرنامج جاهزا.. واتجهت إلى غرفتي في تلك الليلة ساهرا لإعداد البرنامج الذي راجعه الأخ رئيس هيئة الرئاسة والذي احتوى على الاتجاهات التالية:
أولا:
1- ينشأ اتحاد مؤقت بين الشطرين يقر المجلس اليمني التسمية الكاملة له.
2- ينشأ مجلس رئاسة اتحادي من الشطرين يحدد قوامه وأعضاءه القانون الأساسي للاتحاد. بالاتفاق بين قيادتي الشطرين.
3- ينشأ برلمان أو مجلس وطني اتحادي مستقل عن مجلس الشعب في الجنوب ومجلس الشورى في الشمال ويتم اختيار أعضاء البرلمان بالتساوي من الشطرين.
4- ينشأ مجلس وزراء اتحادي مستقل عن حكومتي الشطرين ويتم تحديد قوام المجلس وعضويته من قبل مجلس الرئاسة ومصادقة البرلمان الاتحادي.
ثانيا: تتحدد الأسس العامة للاتحاد بالتالي:
1- أن يكون للاتحاد مجلس رئاسة.
2- أن يكون للاتحاد برلمان مستقل.
3- أن يكون للاتحاد صيغة قانونية (قانون أو دستور مؤقت)، كأساس تستند عليه القوانين والتشريعات المنظمة لنشاط الهيئات الاتحادية المؤقتة.
4- أن تتحول الأعمال المنجزة للجان الوحدة المشتركة إلى مهام لهيئات الاتحاد المؤقت وتبنى على أساسها الصيغ الاندماجية للأجهزة والمؤسسات والمرافق القائمة في الشطرين بحسب الأولويات التي سيحددها مجلس رئاسة الاتحاد.
5- أن تحدد العلاقة بين الهيئات الاتحادية والنظامين في الشطرين من خلال صيغ قانونية يقرها مجلس الرئاسة والبرلمان الاتحادي.
6- تنشأ قيادة عسكرية ودفاعية للاتحاد من خلال إعادة توزيع وتنظيم القوات المسلحة للشطرين وسحب القوات من الأطراف وتحديد مهامها للذود عن سيادة وحدود الوطن من الخارج وذلك وفق نظام يوافق عليه مجلس الرئاسة ويصادق عليه البرلمان الاتحادي وتستوعبه الصيغة القانونية المنظمة لنشاط ومهام الاتحاد.
7- يعتبر الاتحاد مرحلة انتقالية يتفق على مداها حتى توفير شروط العمل بصيغة مشروع دستور دولة الوحدة الاندماجية الكاملة.
8- إنشاء محكمة اتحادية مستقلة تتحدد مهامها على أساس الصيغ القانونية التي تنظم مهام ونشاط الاتحاد.
9- أن يكون مقر الهيئات المستقلة للاتحاد في عاصمة دولة الوحدة صنعاء.
10- أن يقر مجلس الرئاسة ومجلس النواب الاتحادي شعار وعلم ونشيد الدولة الاتحادية.
ثالثا: الأسس الاقتصادية:
1- أن يكون للاتحاد خطة اقتصادية استراتيجية للشطرين تقوم على دمج المشاريع الخاصة بقطاع الدولة في الشطرين ذات الطبيعة الواحدة وإنشاء مشاريع استراتيجية موحدة.
2- أن تكون الأسس ونتائج أعمال اللجنة الاقتصادية أساساً للنشاط الاقتصادي للاتحاد.
3- تعتبر المشاريع المشتركة بين الشطرين من اختصاص وإشراف الاتحاد.
4- أن يكون للاتحاد صيغة يتفق عليها في مجلس الرئاسة لعملة واحدة متداولة في الشطرين.
5- أن يعمل الاتحاد على تحقيق نظام ضريبي وجمركي ومصرفي موحد للشطرين.
6- أن يعمل الاتحاد على توحيد السوق التجاري في الداخل وتنظيم التجارة على الصعيد الخارجي.
7- تنشأ مشاريع اقتصادية جديدة في إطار خطط تنموية منسقة على صعيد الشطرين وتوحيد الآفاق الزمنية لها.
8- يكون للاتحاد موازنة عامة مستقلة عن موازنات الحكومتين في الشطرين وتنظم الموارد المالية للاتحاد بقانون يميز ما هو خاص بالاتحاد وما هو خاص بكل شطر على حدة.
رابعا: الأسس الاجتماعية والثقافية:
1- يعمل الاتحاد على تحقيق نظام تعليمي واحد يقوم على الأسس التربوية المتفق عليها في لجنة التربية والثقافة والإعلام.
2- يعمل الاتحاد على توحيد المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة بحسب الأولويات التي يقرها مجلس الرئاسة والبرلمان الاتحادي.
3- توحيد نظام وهيئات البحث العلمي في الشطرين تحت توجيه وإشراف الاتحاد.
4- أن يعمل الاتحاد على توحيد السياسة الثقافية بالاستناد إلى الأسس الثقافية التي أقرتها لجنة التربية والثقافة والإعلام في الشطرين. ودمج الأجهزة والمرافق الثقافية التي يمكن أن تتحول تحت إشراف وتوجيه الاتحاد وقيام جهاز مركزي ينظم ويدير هذه الأجهزة والمرافق الموحدة.
5- يعمل الاتحاد على تحقيق نظام صحي موحد على ضوء الأسس المثبتة في الاتفاقات الموقعة بين الشطرين ونتائج أعمال اللجنة الصحية المشتركة.
6- يعمل الاتحاد على توحيد القوانين والتشريعات المنظمة للحياة الاجتماعية العامة وتوحيد وتنظيم المنظمات النقابية والمهنية والاتحادات الإبداعية.
7- يعمل الاتحاد بالقوانين الموحدة التي أقرتها لجان الوحدة في مجال التشريع الجنائي والمدني وفي المجالات الأخرى المتصلة بالنظم الإدارية وبالحياة الاقتصادية والثقافية والعسكرية والاجتماعية في دولة الاتحاد.
8- يعمل الاتحاد على رسم سياسة خارجية موحدة للاتحاد بالاستناد إلى الاتفاقيات والقوانين الموحدة بين الشطرين وتحقيق اندماج تدريجي للهيئات الدبلوماسية للشطرين بما يخدم توجه الشطرين نحو تحقيق دولة الوحدة الاندماجية الكاملة لاحقا.
خامسا: أسس ختامية:
1- يحدد في إطار الصيغة النهائية لهذه الأسس المكونة للاتحاد نظام الهيئات العليا للاتحاد من مجل رئاسة وبرلمان ومجلس وزراء وتحديد العلاقة بينها بالاستناد إلى الصيغة القانونية المؤقتة للاتحاد.
2- تحدد الصيغة القانونية المؤقتة للاتحاد حقوق وواجبات المواطنين الأساسية وأسس الدفاع الوطني ومؤسساته.
3- تعتبر جميع القوانين والتشريعات الصادرة عن الاتحاد ملزمة للشطرين على أن تكون في إطار القانون الأساسي المؤقت للاتحاد.
4- في حالة المصادقة على هذه الأسس تكلف لجنة قانونية لصياغتها وتفصيلها في نظام قانوني متكامل لدولة الاتحاد.
وفي صباح اليوم التالي 28/9 حضر الأخ/ وزير الوحدة في الشمال إلى دار الضيافة، وعقدنا اجتماعاً لاستعراض بنود البرنامج ثم أخذ البرنامج معه ووعد بالرد عليه بعد عرضه على القيادة في صنعاء.. وفي مساء نفس اليوم تم اللقاء الثاني بين الرئيسين في مقر القيادة العامة للقوات المسلحة حضره من جانبنا وزير الدفاع فقط ولم يشأ رئيس هيئة الرئاسة أن أكون حاضرا في هذا اللقاء.. حيث كان رد الرئيس علي عبدالله صالح على البرنامج الزمني أولا أن يتم الإعلان عن رغبة الجنوب في تأجيل المناقشات لمشروع الدستور لمدة خمس سنوات.. ومن ثم تناقش البرامج البديلة.. وبعد عودتنا إلى عدن فوجئت بالأخ رئيس هيئة الرئاسة يقدم تقريره إلى المكتب السياسي الذي احتوى على بعض الأفكار التي لم نسمع بها خلال الحوار الذي دار في اللقاء مع جانب الشطر الشمالي، وقد ذيل تقريره بمشروع قرار للمكتب السياسي يتضمن إقالتي من وزارة الوحدة.. وكأنني كنت موظفا في عزبته.. ومحاضر المكتب السياسي تحتوي على التوبيخين اللذين تعرض لهما رئيس هيئة الرئاسة بسبب مخالفته لقرارات وتوجيهات المكتب السياسي في الحالتين الأولى في ليبيا، والثانية في صنعاء.. وكان الأمين العام الاخ علي سالم البيض وبعض الشرفاء من أعضاء المكتب المدافعين ضد محاولات التجريح التي تعرضت لها، خلال تحملي مسئولية وزارة الوحدة.. وقال لي الأمين العام بأخلاق الإنسان القائد والمسئول الذي تمرغ بتراب الوطن وشارك في صنع الأحداث التاريخية ضد الاستعمار البريطاني، قال لي: حين أدافع عنك، أدافع عن ثقتي فيك ولا نخشى أو نخاف من محاولات التشهير ونحن متجهون نحو هدفنا العظيم وآمال شعبنا في الوحدة والتقدم الاجتماعي. وكنت قد قدمت استقالتي أكثر من مرة جراء المتاعب التي واجهتها في هذه الوزارة.. ويمكن لك أن تنشر صورة من استقالتي في سياق هذه المقابلة أو في مكان آخر متزامناً معها.. وفيها من المعلومات ما يستحق الإطلاع عليها من قبل القارئ الكريم بعد مرور هذه السنين من الزمن بعد تحقيق الوحدة اليمنية.
ملاحظات المكتب السياسي
*ما تفسيركم لهذا الإصرار من جانب الشمال على التمسك بتطبيق الدستور بحذافيره كما ورد من اللجنة التي كلفت بإعداده بصورة مشتركة من قيادتي الشطرين؟
-الحقيقة رغم أن اللجنة الدستورية المشتركة قد أتمت مشروع الدستور، ووقعت محضراً بانتهاء عملها.. إلا أن ذلك لا ينفي أنها أحالت بعض النقاط ال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.