من أعجب الأمور أن يتكلم فقيه في الحب ولكن هذا ما فعله ابن حزم الأندلسي في كتابه طوق الحمامة. فقام بتشريح الحب كظاهرة علمية. فهو يعرف هذه الظاهرة فيقول: الحب أوله هزل وآخره جد. دقت معانيه لجلالها عن الوصف فلا تدرك حقيقتها إلا بالمعاناة. وهو ليس بمنكر في الديانة ولا محظور في الشريعة. وأما ماهيته فهو: اتصال بين أجزاء النفوس المقسومة في الخليقة في أصل عناصرها. فالله جعل زوجها منها ليسكن إليها. فجعل علة السكون أنها منه. ولو كانت علّة الحب حسن الصورة لوجب ألا يستحسن الأنقص. ولو كان للموافقة في الأخلاق لما أحب المرء من لا يوافقه. والمحبة حسب بن حزم ضروب: فأفضلها في الله. ومنها محبة العشق التي لا علّة لها إلا ما ذكرنا من اتصال النفوس. فكل هذه الجناس منقضية مع انقضاء عللها عدا محبة العشق الصحيح فهي لا فناء لها إلا بالموت. ويرى بن حزم أن الحب له علامات يقفوها الفطن ويهتدي إليها الذكي فأولها إدمان النظر ومنها الإقبال بالحديث ومنها الإسراع بالسير نحو المكان الذي فيه المحبوب. ومنها بهت يقع وروعة تبدو على المحب عند رؤية من يحب فجأة وطلوعه بغتة. ومنها أن يجود المرء ببذل كل ما كان عليه ممتنعاً. فكم بخيل جاد. وقطوب تطلق. وجبان تشجّع. وغليظ الطبع تطرّف. وجاهل تأدّب. وهذه العلامات هي قبل استعار نار الحب وتأجج حريقه. فإذا تمكن أصبح شيئاً آخر. ومن أعجب ما ذكر أن الحب قد يقع في النوم أو رؤية صورة من لا يعرف أو العشق بدون رؤية والأذن تعشق قبل العين أحياناً. وهناك حسب خبرة بن حزم من احب من نظرة واحدة وهو ما يؤكدها العلم الحديث. ويتكلم عن أثر الحب على النفوس أن له حكماً ماضياً. وسلطاناً قاضياً. وأمراً لا يخالف. وحداً لا يعصى. فيحل المبرم ويحلل الجامد ويخل الثابت ويحل الممنوع. وفي عصر المانشو مع كل تحصينات سور الصين تم اجتياحه بسبب قصة حب. ومن بعض صفات الحب الكتمان باللسان وجحود الحب إن سئل. والتصنع بإظهار الصبر. ويأبى السر الدقيق إلا ظهوراً في الحركات والعين والكلمات والكتابة فيتسرب من مسام الجلد كما يقول فرويد من التصرفات مثل العرق من الجلد. ومن عجيب ما يقع في الحب طاعة المحب لمحبوبه فربما يكون شرس الخلق صعب الشكيمة جموح القيادة. فما هو إلا أن يتنسم نسيم الحب ويتورط في غمره ويعوم في بحره فتصبح الشراسة لينا والصعوبة سهلا والمضاء كلالة والجموح استسلاماً. أعظم عاطفة في الوجود هي الحب. والحب مبرر الحياة وأصل الحياة ومن محضن الحب يولد الإنسان. وبه ينمو ويترعرع. وأعظم كارثة في الحياة هي انطفاء الحب فيموت الإنسان قبل الموت.