عندما تفقد النخب السياسية في الوطن العربي البوصلة ينتهي دورها التنويري وتفقد أهميتها الاجتماعية، وتصبح بعد ذلك فئة اجتماعية فاقدة التأثير، فيغيب عن المجتمع دورها، ويسود فيها الظلام الدامس.. ولم يحدث هذا الغياب الحزين لدور النخب المستنيرة إلا في فترات زمنية محدودة، يقل فيها الإحساس بأمانة المسئولية ويظهر فيها الجنوح إلى السكوت وعدم الرغبة في المجابهة والجهر بالقول، وعادة ما تكون هذه الحالة فردية لدى بعض المستنيرين الذين يميلون إلى الزهد في القول والميل الحاد إلى الإنزواء لسبب قد يكون موضوعياً لدى البعض وغير ذلك لدى البعض الآخر، بمعنى أن التاريخ لم يقدم لنا غياباً تاماً لدور النخب المستنيرة في المجتمعات الإنسانية، ولكن من خلال البحث والمتابعة وجدنا أن هناك غياباً فردياً وعزوفاً فردياً عن ممارسة دور التنوير والتثقيف، ولم نجد في التاريخ عزوفاً جماعياً عن أداء هذا الدور الإنساني المعني بإشعال مصابيح الضوء في عتمة الليل الحالك. إن النخب المستنيرة في الوطن العربي اليوم معنية بالقول والفعل الذي ينبغي فعله الآن لتبصير الأمة بما هو في صالحها ويعلي شأنها ويصون كرامتها، ويحافظ على بقائها وديمومتها، وإذا لم تقم تلك النخب بهذا الدور فإنها تعطي النموذج السيىء الذي لم يحدث ولن يحدث في تاريخ الإنسانية وهو مايعرف بالعزوف الجماعي عن ممارسة الدور التوعوي التنويري الذي أصبح اليوم فرض عين لايعفى منه أحد. ولعل الذي يدفعني إلى التشديد والمطالبة بتفعيل هذا الدور الإنساني هو حالة الركود والخنوع والإنكسار للأمة العربية التي استباح الأقوياء والموحدون والمتكتلون كرامتها، والفعل التنويري لمخاطر التفكك والقطرية الضيقة خامل، إن لم يكن مجاملاً في هذا الإتجاه، وهذا الخمول أو المجاملة لم تخدم العزة والكرامة العربية بقدر ما ألحقت بالغ الضرر في نفسية الإنسان العربي الذي وجد نفسه أمام المجتمعات الأخرى إنهزامياً شبه منبوذ بفعل تواري الدور التنويري للفكر القومي الوحدوي، وبروز القطرية القائمة على التشظي والانقسام. إن الوقت قد حان لانتشال الأمة من حالها البائس والنهوض بها إلى فضاء الإنسانية التي نعتز بقيمها ومبادئها وأخلاقياتها وإرثها الحضاري الإنساني الذي خلده الأجداد بفعلهم الأخلاقي الإنساني الذي وحّد الأمة ولمّ شعثها وحفظ لها كرامتها، وقد جاء الوقت لاستعادة مجد الأمة بالوحدة، فهل يدرك الخيرون المستنيرون هذا المعنى الإنساني للوحدة العربية؟ نأمل ذلك بإذن الله.