لا يتوجب على الكاتب أو المنظر أو الباحث أو المثقف والأديب في شأن من الشئون إذا ما طُلب منه إبداء رأي أو المشاركة بطرح وجهة نظره تحميل الوقف تبعات أكثر من الحقيقة أو القفز فوق الواقع لهذه القضية سيما إذا ما كان المطلوب قوله يخص قضية مصيرية لشعب وتتعلق بمستقبل وطن وهوية بلد كقضية الوحدة اليمنية المباركة التي استغلُ اطلالتها الثالثة والعشرين لتوضيح بعض المفاهيم التي اختلطت على الأدباء والمثقفين اليوم ولم يُعد لهم الدور المعوّل عليه تجاه تاريخ يوجزه مأثر وطني كبير وخالد كالوحدة وسأعمل جاهداً في هذا الرصد على استجلاب مقارنة بين المثقف والأديب اليمني الذي ناضل وتحمل الصعاب والمشقات النفسية والفكرية والبدنية لإحلال واقع جديد بدءاً يوم 22 مايو 1990 وبين مثقف وأديب اليوم والخواء الذي تموضع فيه متقاعساً في تأصيل وترسيخ ثقافة الوحدة . وأجزم أن الفارق قد اتضح بجلاء بين الرعيلين والجيلين باعتبار أن مثقفي الأمس من زمن ما قبل الوحدة قد غادر معظمهم الحياة إن لم نقل كلهم تاركين دور الحفاظ عليها للأسف الشديد لمثقفي اليوم وأدباء الحاضر بعد ذلك الدور التاريخي والأسطوري الذي لعبوه والمُثل التي قدموها لتحقيق الوحدة سواءً للدور الشخصي فكراً وأدباً وسلوكاً أو في إطار جماعي كتأسيس كيان أدبي مثل إتحاد الأدباء وللأسف أستطيع القول إن المقارنة ظالمة لأدباء الرعيل الأول فالمقارنة بين أديب خاض غمار المعاناة بقلبه ودمه وعقله آنذاك كالبردوني والجاوي وجار الله عمر ولطفي جعفر أمان ويوسف الشحاري والاخرين حتى شهدوا الحدث التاريخي والعظيم وبالتالي ابتسموا ابتسامة الأنتصار الأخير تبدو المقارنة بينهم وبين أديب ومثقف اليوم الذي يقف على عتبة التشظي والتشرذم بصمت مطبق وبلا دور ويكفي أن نتأمل خطين الأول خط البردوني ورفاقه وخط من أتى اليوم ليعلن الفرقة والانقسام تحت إطار رجعي يُسمى “ اتحاد ادباء الجنوب العربي “ ولكي تكتمل الفكرة ويستوي مضمون الطرح أقول إن مسببات ذلك تأسيس كيان ليس له مستقبل هو تراجع دورهم الثقافي وأدائهم التنويري امام العوام قبل نشوء هذه المشاكل وعدم إخلاصهم للمناط بهم كمثقفين والتنبيه إلى هذه المخاطر السياسية والاجتماعية والثقافية فوجدوا أنفسهم خارج اللحظة الوطنية الشماء والحالة الثقافية العصماء وتفاقمت الحالة لاعتسافهم وعزوفهم عن توظيف نتاجاتهم ورؤاهم التوعوية في مجتمعاتهم التي تخللتها الاحتقانات والغليان والتذمر على مرأى ومسمع منهم فكان ردهم العاجز المتمثل بالدعوات إلى التشظي والانفصال مستمرئاً من عجزهم عن القيام بالمهام الثقافية المناطة بهم ودورهم في تصحيح وتنقيح دواعي تلك التوجهات التي تراكمت عند البعض على عكس توجهات البردوني والجاوي وتحملهم لتلك الأعباء الوطنية التي تلاشت لهمم الإخلاص وقد أبدوها لقضايا الوطن والذي ينبع من إيمانهم بفكرة ثقافية مفادها أن دور المثقفين والأدباء يأتي في تاريخ الأمم والشعوب قبل دور السياسي والعسكري وغيرهم آخذين على عاتقهم عدم الارتهان للأيدلوجية ومقايضة الكهنوتية بمصالح شخصية آنية , سرعان ما تزول . يجب التنبيه إلى أن دور المثقفين والأدباء في السابق كان محاطاً بواقع مرير وموانع تشبه المستحيل ما يجعل المرء يضحك بأسى وحرقة لموقف مثقف اليوم وأديب اللحظة ودوره المتملص عن عواهن الضمير والاستحثاث المفقود الذي لا يصل إلى واحد بالمائة من جهود أدباء الرعيل الأول تجاه الوحدة.. فماذا لو كان على عاتق هؤلاء مهمة تحقيق الوحدة ولم تكن المسألة تتعلق بإكمال دور أولئك العظماء عبر إفشاء ثقافة الوحدة , وإذا بنا نجد العكس على خلفية دور مثقف اليوم . ولأنني أرجو أن لايؤخذ كلامي بعمومية فجة أعود وأقول بالفعل هناك أدباء ومثقفون لا يتلبسهم النزق المحموم لأدباء على شاكلة الشرذمة تلك فهم يحملون هم الوحدة بين جنبات قلوبهم , إلا أن اختفاء العون اللوجستي لهم من قبل السلطة والنخب الاخرى توّهتهم في دهاليز قضايا استلاب سياسي غيّب الأولويات الوطنية لحساب الفئة والحزب والتيار والجماعة ما أدى إلى تعالي الأصوات النشاز ضد الوحدة نتيجة بعض المظالم التي وقعت والجرم أن هذا المثقف تخلى عن تفسير وشرح تفاصيل هذا الظلم وتداعياته فغاب دوره تماما عن الذود عن الوحدة ولم يفقه أنه لم يكن مطلوباً منه حمل البندقية ودخول المتارس ولنا الذين ناضلوا في سبيل قضية تكمن قداستها بالكلمة الصادقة ضد الكراهية والعنصرية والعصبوية التباغض وتدنيس الحياة بافعال الشياطين . إن المثقفين الذين لا يفقهون دورهم تجاه أنفسهم قبل وطنهم هم الداء الذي أستفحل وأصاب مفاصل الثقافة كرافد إنساني أولاً لتقويم الذات وفهم المحيط في ضوء الفعل الثقافي الخالص لوجه ثقافة تنمي الشعور بمعاني ودلالات تُغلب مصلحة الوطن والشعب دون علمهم أن هذه المصلحة تصب أساساً في صالح المثقف والأديب كفعل ارتدادي يضعه في مصاف أحلام الناس والمواطنين الذين لا يراودهم يأس بسبب خيبة أملهم في النخب المثقفة بل شرعوا لإبقاء نوافذ الأمل مفتوحة أمام المثقف اليوم لأداء دوره تجاه الوحدة وأظن الفرصة مازالت سانحة من خلال المثقف داخل مؤتمر الحوار رغم قلة عدد المثقفين كقوام في المؤتمر والذي يُعد أمراً يبعث على القلق فكافة القضايا والمخاطر المحدقة بالوطن وهويته كقضية الجنوب وصعدة ذات أبعاد ثقافية محضة وأراهن على ذلك وأتمنى أن لا يخسر المثقف دوره مرتين في اليمن السعيد . رابط المقال على الفيس بوك