عقدان من الحراك الديمقراطي شكلا القاعدة النظرية والعملية للتجربة اليمنية الوليدة، كان بالإمكان أن تعزز تلك الفترة الزمنية قاعدة الحكمة المفقودة التي تعد أهم عنصر حيوي في عمق أي تجربة ديمقراطية وليدة. وهذه لا تأتي إلا عبر التراكم المعرفي والعملي والحوارات البينية الناضجة والوعي بالمرحلة والتجربة والتباينات الاجتماعية والمصالح الدولية التي تبحث عن مدخل ومتعهدين محليين!!. لذلك فإن الحالة التي وصلت إليها طاولة الحوار اليمني لا تسر أحداً ولا يجب أن تبقى مرهونة للظروف أو الخيارات الصعبة التي قد تكون فوق طاقة المرحلة وغير قابلة للعمل أو تتسبب لا قدر الله بالمزيد من التنافر السلبي بين فرقاء العمل الحزبي في الساحة السياسية في بلادنا. على ما يبدو أن الوعي لدى المتحاورين تجاه المرحلة والظروف التي يمر بها الوطن ونقمة المتربصين به من هنا وهناك دون المستوى المطلوب، أو كأن الأمر لا يعنيهم أو أن أمن واستقرار وتنمية المجتمع لا يهمهم من قريب أو بعيد، أو كأنه غائب عن خططهم وبرامجهم. يظهر ذلك من خلال التصرفات تجاه الحوار الوطني، مما جعلهم في حالة من الفوضى السياسية والهيجان الحزبي واستحضار الصراعات والملفات (البائتة) والمنسية ووضعها أمام أي حوار أو تقارب أو انفراج، الأمر الذي حال دون استتباب قواعد الثقة بين الأطراف المتحاورة في ساحتنا السياسية. العجيب أنهم يدّعون حسن النوايا، لكن ذهابهم لاسترجاع الماضي واستحداث التوترات يدل على انعدام الوعي الوطني بالمرحلة، كما أن هذه التصرفات لا تخدم الانفراج المطلوب ولا تقود الحوار السياسي المنتظر إلى التوافق المحمود والإيجابي. الوطن بحاجة إلى عودة الحراك السياسي الناضج والتقارب الفعلي في وجهات النظر على اختلافها وتنوعها، بشرط أن نترفع عن المماحكات التي لاتزال تفرض سطوتها على الوعي السياسي والحزبي والاجتماعي في ساحتنا الوطنية. في الوقت نفسه لا يجب أن تستمر وتتضخم تلك الممارسات الهوجاء إلى الحد الذي يوحي بقصور كبير في منظومة القيم الديمقراطية وغياب ملحوظ للتراكم الذي كنا حتى وقت قريب نفاخر ونعتز به، الأمر الذي جعل الخلافات الحزبية والقبلية تطغى بشكل فاضح ومؤسف على الجانب الوطني في حسابات وأجندات الفاعلين في الساحة. الشعب اليمني تعب من تلك المراهقات السياسية التي كان الأجدر ألا تظهر خاصة في هذه المرحلة الحرجة من حياته وحراكه الاجتماعي، الحوار السياسي المنتظر مفتاحنا إلى الحوارات الأوسع والأهم، سواء في الجانب الاقتصادي أم الثقافي أو الاجتماعي بدلاً من التعبئة الخاطئة كل تجاه الآخر وترك الأحداث والظروف تصنعها مكنات ومطاحن الإعلام من هذا الاتجاه أو ذاك. لابد من الجلوس إلى طاولة الحوار لاستكشاف الهم الوطني الكبير الذي زاده هذا التعنت فظاعة وقسوة، في الوقت نفسه تزداد فيه وتيرة التداعيات المؤسفة في الساحة. الجميع لابد وان يستشعر ثقل المسؤولية والأمانة الوطنية والحفاظ على سلامة السفينة اليمنية التي تكاد تؤثر فيها هذه المشاغبات التي يبدو أنها ستستهلكنا كثيراً. يبدو أن أطراف الحوار السياسي في الساحة اليمنية قد رحّلوا المشروع الحداثي النهضوي ومتطلباته ومتعلقاته إلى اللا وعي. تناسوا في الوقت نفسه أن المنجز الوحدوي العظيم لا يستقيم أو يقاوم عاديات المرحلة والعصر والظروف والمراهقات إلا بنهضة اجتماعية اقتصادية وتغيير للوعي الاجتماعي، وتجديد حقيقي للمكونات الثقافية التي شكلت حتى اللحظة بعض الإعاقات الموضوعية للتحديث. سنظل نحلم بمجتمع يحكمه العقل المؤسسي الجمعي والحكمة اليمنية المطلوبة والحوار البناء والمتكافئ والولاء الوطني الفاعل الذي يقل معه الكلام والمصالح الذاتية والشعارات والمشاغبات ويكثر فيه ومعه العمل والتفاني والإخلاص ونكران الذات، نتخلى لوجه الله والوطن عن ثقافة الصراع والنكايات القاتلة ولغة التعويم. نحتاج إلى شعور بعظمة المواطنة وعظمة الوطن الذي نسيناه جميعاً في غمرة النشوة بتنامي خارطة المصالح وفقدان الكثير من القواعد الأخلاقية المطلوبة للعمل والشراكة في الساحة الوطنية. الإعلامي يحيى علاو.. وداعاً رحل الإعلامي المبدع والمتذوق يحيى علاو عن عالمنا هذا، رحم الله يحيى علاو صاحب لغة الفرسان ورائد إعلام الفروسية. تُرى من سيغطي مساحة ووطنية برنامجه الذي طالما تحسس من خلاله أوجاع المتعبين، ذاهباً إليهم بهدية الشهر الكريم وفرحة العيد؟. [email protected]