في العدد الذي حمل غلافاً بعنوان “كيف تسقط الدول العظمى” منذ أسبوعين، تجشم الرقيب اليمني مشقة انتزاع الصفحة التي نشرت فيها رسالتي، والتي كان عنوانها “النكث والغدر” من كل أعداد المجلة الواصلة إلى اليمن. وقد سررت لما تكبده من مشقة عندما أعدت نشر الموضوع في صحيفة محلية وفي المواقع الالكترونية المحلية أيضاً. وهو ما يثبت للمرة الألف أن الحجر على الأفكار قد غدا محاولة عبثية. وأعود إلى موضوع عنوان هذه الرسالة لأقول: (كل حسب قدرته ولكل حسب حاجته) بهذا الشعار البسيط خلبت الشيوعية ألباب الناس الذين قاتلوا وسعوا إلى جعلها واقعاً في حياتهم. ولكن المشكلة كانت تكمن في أن الشعارات الموجزة غالباً ما تكون حاملة للكثير من المعاني حد العبارة القائلة (إذا ضاقت العبارة اتسعت الرؤيا. وهذا عكس لعبارة النفري (إذا اتسعت الرؤية ضاقت العبارة). فالشعار الماركسي الموجز كان خادعاً ومضللاً بسبب إيجازه. فالمتلقون وهم هنا العمال والبائسون والمضطهدون والمعذبون في الأرض، ظنوا أن الشعار يعني أنه سيقدم لهم كل ما يشتاقون إليه ويتطلعون إليه. في الوقت الذي كانت فيه أشواقهم وتطلعاتهم تتمحور حول مستلزمات حياة الرفاهة الرأسمالية (المزيد من السلع الفخمة). لقد خلطوا بين احتياجاتهم الحقيقية وبين تطلعاتهم التي غذتها فيهم الرأسمالية بمذهب الإشباع والمنفعة الذي تروج له دائماً. هل يمكن أن يكون سوء فهم ساذج كهذا السبب في سقوط الشيوعية؟ الرأسمالية تعني أن تقضي حياتك تشتاق إلى أشياء لا تحتاج إليها. والإنسان مجموعة تطلعات، أي أنه مجموعة أشواق ولكن المؤسف أن الأشواق تتجه دائماً نحو الأشياء الخاطئة وكثيراً ما لا يمكن لنا أن نتخلص من أشواقنا إلى الأشياء التي لا نحتاج إليها (السلع والأدوات والتجارب الفخمة) إلا عندما ينتصر الروحي فينا على المادي ويسيطر عليه ربما يجيب هذا على سؤال: لماذا فشلت الشيوعية؟ لقد فشلت لأنها جعلت من الغايات الرأسمالية هدفها الأقصى. ارتقاء إلى امتلاك كل السلع بدون الاضطرار إلى دفع الثمن الذي تطلبه الرأسمالية منا لتحقق لنا ذلك . وهو ما عجزت عنه في الوقت الذي حرمت فيه الناس من حريات كثيرة وأقامت أنظمة قمعية ففقدت كل جاذبية. الشيوعية كانت تقدم حلماً رأسمالياً خادعاً وكاذباً وخالياً. الحلم نفسه كان دائماً موجوداً في الرأسمالية وكان أكثر إمكاناً وواقعية. ولذلك أرى أن المذاهب الروحانية (تلك التي تركز على الروح لا المادة) والتي تعلي من شأن الروح وتقلّل من شأن المادة هي وحدها القادرة على بناء مجتمع شيوعي أو شبه شيوعي. ذلك أن هذه المذاهب جميعها تتفق على أن طريق الخلاص والسعادة يكمن في عدم التعلق وعدم التمسك وعدم التوق إلى الأشياء واستبدالها بحياة داخلية (فكرية ونفسية أكثر غنى).