في السنوات الخمس الأخيرة برزت إلى السطح بشكل لافت ظاهرة سلبية لها الكثير من التداعيات والانعكاسات الخطيرة وهي ظاهرة العنف في المدارس ,حيث تحولت بعض المدارس إلى جبهات للصراع والعنف بين الطلاب مع بعضهم البعض وبين الطلاب والمدرسين وهي ظاهرة كانت في السابق شبه محدودة وغير متشعبة كما يحصل اليوم على مرأى ومسمع الجميع وسنسعى من خلال هذه التناولة على تسليط الضوء على جوهر هذه القضية وأطرافها وكذا إمكانية البحث عن معالجات وحلول لها ,فالعنف المدرسي يشترك فيه أربعة أطراف الطرف الأول هو الطالب والثاني المعلم والثالث الإدارة المدرسية والرابع الأسرة والبيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الأفراد ,فالطالب في بداية مرحلة المراهقة يميل إلى الشقاوة والعنف ودائماً ما تعتريه نزعة تضخيم الذات فيشعر أن لامنازع له وأن الجميع دونه, ودائماً مايقحم نفسه في العديد من المشاكل والصراعات داخل المدرسة على مستوى الفصل أو الشعبة التي يدرس فيها أو على مستوى المدرسة وما أكثر الطلاب الذين جعلوا من مدارسهم مسرحاً للصراعات والعنف من خلال تشكيل عصابات وتكتلات داخل هذه المدارس بهدف تصفية الحسابات خارج المدرسة بالدخول في عراكات ومشاجرات قد تؤدي إلى حد إزهاق الأرواح وخصوصاً عندما يلجأ بعض الطلاب إلى استخدام السلاح الأبيض أو السلاح الناري وما أكثر الحوادث التي سجلتها الأجهزة الأمنية والتي تندرج في هذا السياق علاوة على الاحتكاكات التي تتم داخل الفصول بين الطلاب والتي قد تتطور إلى مالايحمد عقباه والتي نسمع عنها بصورة شبه يومية. المعلمون والعنف المدرسي يمثل بعض المعلمين أحد أسباب العنف في المدارس وذلك من خلال تعاملهم مع الطلاب بأساليب غير تربوية تولد لديهم مشاعر الاستحقار والاذلال ومن ذلك استخدام أساليب عقابية جسدية غير معقولة مثل الضرب بالعصي كبيرة الحجم والضرب على الوجه بالكف وربط الرجلين ومن ثم ضربهما والضرب في المؤخرة وهناك من يستخدم الركل بالرجل وهناك من يدخل في عراك دموي مع الطلاب ولايتوانى في استعراض عضلاته أمام الطلاب وهناك من يضرب في ظاهر القدمين أو اليدين بأسلوب لايليق بالانعام والسوائم وهو مايخلق حالة من الغضب والتشنج في أوساط الطلاب وأسرهم وخصوصاً عندما يتسبب هذا العنف في إحداث أضرار جسدية بالطالب المعتدى عليه سواء بقصد من المدرس أم بدون قصد ,حيثتتشعب القضية ويتحول الأمر إلى عداء شخصي مما يدفع والد هذا الطالب أو اخوته وفي بعض الأحيان رفاقه إلى الاعتداء على المعلم وهناك قضايا عديدة منظورة أمام المحاكم بهذا الخصوص وهناك قضايا تمت تسويتها وحلها بالطرق الودية واستحضر هنا قضية طازجة شهدتها إحدى مدارس مدينة ذمار قبل عدة أيام ,حيث تشير تفاصيلها إلى تعرض أحد طلاب المدرسة لضرب عنيف من قبل أحد المدرسين الأمر الذي أدى إلى إصابته بإصابة بليغة في وجهه أسعف على إثرها وما إن عاد الطالب إلى منزله حتى أخبر والده بما حصل ,حيث حاول الأب تلطيف الجوء وطلب من ابنه الهدوء وأخبره بأنه سيتابع الموضوع بنفسه ,وفي هذه الاثناء شرح الأخ المصاب الموضوع على شقيقه الأكبر والذي لم يتمالك نفسه وحمل سلاحه واستدعى بعض رفاقه واتجه صوب المدرسة، دخل الجميع الساحة وكان المعلمون متجمعين خلف هذا المدرس يعاتبونه على تصرفه العنيف وعلى الفور قام الأخ الأكبر بإطلاق أعيرة نارية في الهواء فرقت المدرسين من حول المدرس المستهدف وعلى الفور انقضوا عليه بالضرب ولاذوا بالفرار ,تشعبت المشكلة ولكن حكمة والد هذا الطالب وعقليته المستنيرة مكنته من التوصل لحل مرض لكل الأطراف بعد أن أقر بغلطة أولاده ,وما أكثر الشواهد التي تحكي مثل هذه التصرفات الناجمة عن العنف الجسدي والعنف اللفظي الذي يمارسه بعض المعلمين على بعض الطلاب. الإدارة المدرسية والعنف المدرسي التربية هي المهمة الأولى للمدارس قبل التعليم وهي قضية هامة لابد أن تعيها غالبية الإدارات المدرسية التي لاتعطي جانب التربية أي اهتمام وينصب اهتمامها على الجانب التعليمي رغم الأهمية التي تكتسبها التربية في العملية التعليمية ,فالإدارات المدرسية عنصر فاعل في الحد من ظواهر وأساليب العنف المدرسي لكونها صاحبة القرار والسلطة على كافة الأطراف داخل المدارس فلا يمكن غض الطرف عن الخلافات والصراعات التي تنشأ بين الطلاب داخل المدارس ,ولايمكن السكوت على تشكيل العصابات في أوساط الطلاب والدخول في عراكات ومواجهات تعود عليهم بالضرر الكبير والكبير جداً , ولايمكن أيضاً الوقوف مكتوفي الأيدي أمام استخدام بعض المدرسين العنف الشديد مع الطلاب وخصوصاً عندما يصل الأمر إلى إصابة الطلاب بكسور أوجروح خطيرة فهنا لابد أن تقوم الإدارات المدرسية باتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة المدرسية دون مماطلة أو تسويف كون ذلك يسهم في تأزيم الأوضاع ويفتح المجال أمام الأسرة والأقارب التدخل. الأسرة والعنف المدرسي وللأسف الشديد فإن دور غالبية الأسر في تعاطيها مع قضايا العنف المدرسي التي يكون المدرس هو الطرف الأول فيها وأولادهم الطرف الثاني دائماً ,مايتصف بالسلبية فالأب أو الإخوة يجهلون في هذه المواقف مكانة المعلم والبعض منهم قد يكونوا على معرفة تامة بها ولكنهم في لحظة الغضب والانفعال يتناسونها فيتحول المعلم إلى غريم سواء كان الأسلوب الذي تعامل به مع الطالب مقصوداً أم غير مقصود وتبرز الرغبة الجامحة للانتقام والذي دائماً مايكون أشد وأقسى من الأسلوب الذي تعامل به المعلم مع تلميذه بعشرات المرات وقد يصل الأمر إلى حد القتل وهنا استغرب مثل هذه التصرفات السلبية من بعض أولياء الأمور والتي تعالج الخطأ بخطأ أكبر منه وأكثر منه فداحة ,وهناك من الآباء من يدفع بأولاده للذهاب لبيت المعلم أو للمدرسة التي يعمل فيها لتأديبه على حد تعبيرهم للرد على ضرب أولادهم والاعتداء عليهم ,والأمر هنا لايليق فالمعلم وإن أخطأ فإن مكانته وعظمة رسالته تشفع له ,علاوة على أن هناك أطراً قانونية وجهات رسمية مختصة هي المنوط بها تلقي مثل هذا النوع من الشكاوى وتقوم بالفصل فيها واتخاذ الإجراءات القانونية الكفيلة في حق المعلمين أو الطلاب بعيداً عن العنف. حلول ومعالجات مقترحة وأمام المعطيات التي حصلنا عليها فإنه تبرز العديد من الحلول المقترحة لمعالجة ظاهرة العنف في المدارس والقضاء عليها ومنها اهتمام المدارس بالجانب التربوي من خلال المحاضرات والندوات التي تغرس قيم التسامح والمحبة في أوساط الطلاب وتبين المكانة التي يحتلها المعلم وعظمة الرسالة المنوطة به وتبيان واجب احترامه وإجلاله وكذا الحرص على اتخاذ إجراءات عقابية إدارية في حق الطلاب الذين تتكرر ممارستهم لأساليب العنف داخل المدارس لضمان عدم تكرارها من قبل الآخرين والحرص ما أمكن على تجنب استخدام الضرب باعتباره أسلوباً غير تربوي يصيب الطلاب بالامبالاة والتوتر العصبي والقلق النفسي وعلى الأسرة أن تكون في صف المعلم في حال ارتكابه أي خطأ ومحاولة إقناع أولادهم بأن مكانة المدرس هي شديدة القرابة من مكانة الأب ومن ثم بإمكانهم طرق السبل والوسائل القانونية فهي أجدى,والأسرة مطالبة بتهذيب سلوك أفرادها ومعالجة ميولهم للعدوانية بالوسائل والطرق المناسبة ,وعلى الطلاب أنفسهم مراعاة المكانة التي اختص بها المعلم والتي كادوا من خلالها الوصول إلى مرتبة الرسل وعليهم التخلص من نزعة الأنا الزائدة التي تسيطر عليهم لتسود قيم المحبة للآخرين والتسامح معهم تقديراً للزمالة والحرص على القدرة الحسنة وعدم التأثر بالثقافات الدخيلة على المجتمع والأساليب والأفكار المستوردة من الفضائيات والمواقع الالكترونية والصحف والمجلات ,وأعود وأكرر بأن تفعيل الأنشطة المدرسية الثقافية منها والرياضية والإبداعية يسهم إلى حد كبير في توظيف واستغلال طاقات الطلاب وتوجيهها نحو الاتجاه الصحيح بعيداً عن العنف.