راجعني أحد المرضى الشباب ليس من أجل مرض السكر بل من أجل الفشل الكلوي. ولكنني اكتشفت أنه مصاب بما هو أدعى للحزن؟ كان الشاب أعمى من وراء مرض السكر؟ فمرض السكر يضرب الشرايين بالتصلب والكلى بالفشل والشبكية بالعمى. وقد لا يربط الواحد بين الاثنين فما علاقة مرض السكر بالفشل الكلوي؟ ولكن الغموض ينزاح حينما نعرف أن الجسم يعمل كتلة واحدة كما جاء في الحديث (المؤمن للمؤمن كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). والسكر ضروري وحيوي للبدن ومعظم طعام الدماغ هو من هذه الحلوى، ولكن المرض يحدث حينما يختل توازن السكر في الدم. فبدون السكر لا نعيش ومع ارتفاعه نمرض. وحين يمرض من يمرض بمرض السكر فإن نقصه أخطر من ارتفاعه ولذا وجب على مرضى السكر أن يكون في جيبهم دوماً قطعة من الحلوى أو العصير أو الشوكولاته تحسباً للطوارىء. وفي يوم رأيت أمام عيني انهيار مريض بنقص السكر فغاب عن وعيه فلما أعطيناه السكر خرج من السبات في لحظات كمن كان غاطسا في لجة الماء مهدداً بالغرق فأخرج رأسه من تحت الماء فسحب نفساً عميقاً. وإذا نقص السكر عن مستوى معين هدد الدماغ ولكن ارتفاعه بضع مئات يتحمله البعض بدون مشكلة. وهكذا فالسكر يترواح في دم الإنسان دوماً بعيارات مختلفة فإن كان في حدود 100 مليغرام في اللتر كان صحياً وعاديا ويحرق بسهولة في البدن فإن زاد عن 180 وفي كل الأوقات كان نذيرا بدخول المريض إلى ساحة المرض ومضاعفاته. وأصعب الإصابات هي السكري الشبابي فيجب أن يعالج بغاية الدقة والصرامة. وأنا أعرف طبيباً صديقاً لي أصيب ابنه في عمر مبكر بالسكري فنغص حياتهم وأصبحت والدته خبيرة بمرض السكر أكثر من عشرة أطباء اختصاصيين وتعرف الكالوري(السعرات الحرارية) ومتى يحتاج ابنها جرعة الأنسولين؟ وأنواعه؟ وكيف يحقن؟ ومظاهر مضاعفات مرض السكر ونقصه؟ وكما يقول المثل «سل خبيرا ولا تسل طبيباً». ولا ينبئك مثل خبير؟ ومشكلة السكر ليست وحيدة في لخبطة توازن مقدار وحرق السكر في الجسم بل هو اضطراب يهدد كل البدن بالخراب فيتحول إلى مستنقع من الالتهابات والفشل الكلوي والتصلب الشرياني والعمى. وهذا الشاب الذي راجعني من أجل الفشل الكلوي رأيت نظراته غير مركزة وهي سمة يعرفها كل مبصر في الأعمى فلوحت بيدي أمام عينيه إن كان يبصر شيئا؟ قال لا أرى شيئا سألته منذ متى بدأ السكر معك؟ قال منذ أمد بعيد قلت له هل عالجته بصرامة؟ اعترف بالإهمال وهو ليس الوحيد. وهذه القصة تحكي أن معظم النار من مستصغر الشرر، وأن الغفلة في لحظة تبعد المنزل ألف ميل، وأن الإهمال في معالجة المرض منذ بدايته تقود المريض إلى اختلاط بعد اختلاط ومضاعفة تتلوها مضاعفة. ومن عائلتي أنا أصيبت سيدة بغانغرين من خلف السكري فنصحناها بالبتر فرفضت وماتت بتسمم الدم. والبتر كريه ولكن قد لا يبقى خيار غيره أحياناً. والعناية بالقدمين عند مريض السكري في غاية الأهمية لأن السواد أو الالتهاب إن بدأ من إصبع في القدم فهو يشبه الحريق الذي يضرب في غابة جافة في صيف شديد الحر اشتدت به الريح في يوم عاصف. وعلاج السكري وفق ثلاث طرق: حمية صارمة ودواء منتظم ورياضة متواصلة وهناك من ينصح بالحمية اليابانية ويزعم أنها تفيد وهي تناول أربع كاسات من الماء قبل كل وجبة ب 45 دقيقة. ومن مارس الرياضة استعاد الشباب. ومن أهمل عضلاته شاب قبل المشيب وهو أمر أعرفه منذ شبابي فأمارس الرياضة بانتظام. وعلى كل فرد أن يخرج مع عائلته كل ليلة فيمشي ساعة في برد وهدوء وظلام الليل ولكن ثقافتنا ينقصها مفهوم الرياضة. وفي كندا لاحظت تسابق الجميع في ماراثون سنوي لعدة كيلومترات، وتغص صالات (الجيمGYM) الرياضية ومن الجنسين وعلى مدار 24 ساعة. وكان رسول الله يسابق عائشة وتسابقه.