عندما صعدت إلى المصعد كانت الممرضات تقل مريضاً قد وصل لتوه إلى الإسعاف. قلت لمن حوله (عسى مابي خلاف؟) قال مرافق له من أقربائه: يده ورجله ثقيلة لا يستطيع أن يحركها منذ يومين. قلت له: هل كان يشكو من شيء؟ وكان المريض ملقى في السرير ويوحي بطنه بزيادة وزن كبيرة. قال المرافق (وبعد ما كان يتقيد بالدواء). فعرفت لماذا حدث ما حدث وعقبت: إذا ظهر السبب بطل العجب. ونحن نعرف في الطب أن رحلة الدواء إذا بدأت يجب المحافظة عليها بصرامة. ولكن الكثير من المرضى يظنون أنهم إن تناولوا الدواء انتهت المشكلة، والدواء هو من أجل معاونة الجسم. بعد أن عجز الجسم عن الصيانة. وإذا عجزت الصيانة عن العمل كان الدواء هو حبل النجاة الأخيرة، وإلا فلينتظر المريض خسفاً أو مسخا ًأو نكسا. والرجل المتمدد أمامي في السرير كان مصاباً بالشلل النصفي الأيسر وكان محظوظاً، لأن الضغط إذا لم يعالج عند مريض السكري كان معناه زيادة نفخ أنابيب هي بالأصل مهترئة. وأنا شخصياًَ أمارس جراحة الأوعية الدموية وعندما أفتح على شريان مريض يبدو لي مباشرة أنه مصاب بالسكر من مرض الأوعية والتهاب الأنسجة المرافقة فلا يكاد الشريان يفك عما حوله إلا بصعوبة وقدر من الخطر عظيم. فإذا تصلبت الأوعية وضغط الدم فيها أكثر من اللازم انفجرت في بعض المناطق الضعيفة. والشرايين في الدماغ ذات اتجاه واحد نهائي وهي رفيعة جدا حتى تغذي كتلة الدماغ الكبيرة. وإذا حصل الانفجار بسبب ارتفاع الضغط والسكري في شرايين الدماغ كان معناه جلطة دماغية، وطبياً يقال لها شلل شقي (ستروك Stroke). كان عمر الرجل الممدود أمامي في سريره 45 سنة وهي أفضل سنوات العمر نضجاً وتمكناً وليس أن يصبح عالة على غيره وهو في أحسن سنوات العمر زهوة وإنتاجاً. والإصابة بمرض السكر تعني إعلان الحرب على الجسم فيجب أن يستعد المرء بالحمية الصارمة والرياضة الدءوبة وتخفيف الوزن بدون رحمة. ومن عجيب الأشياء أن مريض السكري إذا لم ينحف نفسه فإن المرض يقوم بذلك فيعاني المريض من عطش وبوال ونهم للطعام مع نقص في الوزن غير مفسر. فإذا اجتمعت بصديق قديم لم تره منذ أمد بعيد ولاحظت عليه النحافة فهو واحد من اثنين: إصابة بالسكري أو انتباه صارم لنظام الطعام. وقديما كان الأطباء يعرفون السكر عن طريق تذوق طعم البول باللسان فيرونه حلواً. والسكر في الوضع الطبيعي هو بمعدل 100 ملغ في ليتر الدم الواحد فإذا زاد وقفز فوق 180 ملغ طرحته الكلية وهو ما يعرف بالعتبة الكلوية وهنا كان ابن سينا في زمنه يعرف أن المريض مصاب بمرض السكر بتذوق البول المباشر. وحاليا يوجد أجهزة دقيقة تحدد السكر من وخزة بسيطة في الإصبع وتناول قطرة دم على شريط يدخل في الجهاز فيحدد الرقم مباشرة. ولي صديق شكى فرط العطش في الصوم فلما فحص السكر كان في حدود 300 ملغ تضايق الرجل وحزن قلت له الآن يجب أن تعلن الحرب على السكر. اعترف الرجل بتفريط الحمية فيما سبق. ومن هذه القصص نصل إلى الحكمة العربية القديمة أن درهم وقاية خير من قنطار علاج وما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه. وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون.