والتساؤل هنا يدعو إلى الأسى والأسف, والحزن والقرف أيضاً !!. فلكم أن تتخيلوا - وبعد مرور قرابة نصف قرن على قيام الثورة في مطلع ستينيات القرن المنصرم, والتي قامت على مبادئ التحرر, وفي مقدمتها حرية الإنسان, وصون حقوقه, فضلاً عن المساواة, وإلغاء التمييز بين البشر لأي أمرٍ كان - تصوروا بعد هذه الفترة الطويلة أن ثمة من لايزال يمارس العبودية ويمتلك رقاب الناس ببصائر موثّقة لدى بعض القضاة الذين يبدو أنهم لايزالون يعيشون عصر الجاهلية, حيث كان الجميع يمارس الرق الذي قامت الثورات في الشرق والغرب وفي كل مكان لإلغائه, وتحرير الناس من عبوديته, حيث لم يعد في العالم اليوم من يمارس هذا المسلك البشع بما في ذلك أكثر الدول عزلة وتخلفاً!!.
اليوم فقط انتابتني الدهشة وتملكتني العفاريت, وذهلت كما لو أنني أصبت بالمس وأنا أستمع إلى أحاديث عن ممارسة الرق في اليمن, أرض الحكمة ومهد الثورة في منطقة الجزيرة العربية, وأول بلد في هذه المنطقة يقود تحولات تحررية ضد كل أشكال العبودية والقهر والإذلال!!.
كيف لنا أن نتصور أن هذا المسلك يُمارس أمام مختلف الأجهزة والمؤسسات دون أن يتحرك لها ساكن!!. إذاً ماذا نقول لآبائنا الذين نذروا أنفسهم للثورة ضد هذه المظالم التي تهوي بالإنسان إلى أسفل درك من الحضيض؟!.
هل حان الوقت لأن نعيد قراءة تاريخ اليمن المعاصر الذي دكّ نظام العبودية والعنصرية والرق في الأمس, وإذا به يتراءى أمامنا اليوم مشهداً مخزياً يجلب العار؟!.
إذا كان الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ممارسة شخصية لأفراد انتزعت عنهم القيم الإنسانية, فأين هي جهات الاختصاص التي يجب عليها أن تعيد إلى أمثال هؤلاء توازنهم, وتقديمهم إلى العدالة ليدركوا أنهم لا يعيشون في زمن الرق والعبودية, وإنما في وقت يعيش الناس جميعاً أحراراً كما ولدتهم أمهاتهم؟!.
إنني أتساءل: ما ذنب هؤلاء الناس الذين يعيشون عبيداً في زمن لم تعد فيه نواميس للعبودية؟!.
وكيف يعيش هؤلاء وهم مستعبدون أذلاء لا يملكون حق التعبير عن أبسط حقوقهم, بل كيف يعيشون ونساؤهم مجرد (إماء) لا تمتلك من مصيرها شيئاً; إذ أنها مخلوق ذليل لا يقام له وزن في الحياة عند هؤلاء الذين يمارسون الفاحشة ويمنحون جرائمهم صكوكاً من الشرعية الزائفة؟!. إنها مأساة تُدمي جبين الإنسان, والواجب على الجميع أن يُسهم في إنهاء معاناة من يعيشون هذه المأساة, ما لم فالمصيبة عظيمة, والطامة كبرى!!.
والحقيقة لا يكفي أن نقعد ملومين محسورين, بل إن الواجب يقتضي سرعة المبادرة لتحرير الإنسان من هذه النزعة الحيوانية بالعصا الغليظة لمرتكبي جريمة استخدام الرق, والعمل على تغيير الخطاب الديني داخل مكونات المجتمع القبلي والإقطاعي الذي يوجّه الدين في ما يخدم مصالحه ونزوعه الفردي المغرق بالتسلط والدونية.. ما لم فإن على الدنيا السلام!!.