لأنها حرب تكررت ولم تحسم، فإن بعض المراقبين يتوقعون عودتها، بل يراهن البعض على أن كل ما تم سابقاً لم تكن إلا جولات في حرب لم تنته بعد، ولمعرفة الحقيقة وراء هذه الحرب لابد من العودة إلى الوراء والبحث عن أسبابها الأولى التي كمنت في صراع النماذج بين شطري اليمن قبل الوحدة .. ذلك الصراع الذي أعاد إنتاج نفسه بالترافق مع الوحدة وإعلان التعددية السياسية .. تلك التعددية السياسية التي تبلورت كيما تعيد إنتاج صراعات الماضي القريب، ولتتحقق على الأرض بوصفها استقطاباً سياسياً يختلط فيه الحق بالباطل كما كانت صعدة ميداناً من ميادين إعادة إنتاج متاهات الماضي الشطروي الذي تبلور هذه المرة على قاعدة التعددية الحزبية غير الحميدة، وكان من نصيب صعدة حضوراً سلفياً استفز الزيدية التاريخية، فيما فاض ذلك الحضور برد فعل طبيعي تمثل في جماعة الشباب المؤمن الذي سرعان ما استلهموا نماذج التشيع السياسي، وصولاً إلى استعادة فقه الإمامة كخيار من خيارات المستقبل.. ليس عيباً أن يعتقد البعض من مواطني اليمن في النموذج الذي يرتأونه، ولكن المشكلة تكمن في أن الملعب السياسي مازال مكبلاً بالشعارات والعدمية الرؤياوية، الأمر الذي جعل فريق صعدة المستعيد لفقه الخروج يختار المُنازلة بدلاً من الخيار الطبيعي، ولا تكمن المشكلة هنا أيضاً في خيار الحوثيين فقط، بل أيضاً في عدم قبولهم للبوح بما يرتأون، فالإمامة بحسب الأدبيات الجمهورية اليمانية رجس من عمل الشيطان، والمفهوم لم يعد يطال الفكر المجرد، بل المناجزة السياسية التي دحرت الملكيين، وأحلت الجمهورية الراهنة محلها.. لقد سبق صراع الجمهوريين والملكيين صراع تاريخي بين البيوتات التي ادعت الإمامة بوصفها من سلالة محددة، ومن خلال التاريخ وتضاعيف مغازيه تبيّن أن تلك الصراعات كانت دنيوية ولا علاقة لها بالفقه الإمامي الزيدي . لكن هذا المعطى التاريخي تغيّر ويتغير ، ولهذا كان الأجدر بالحوثيين أن يبحثوا عن برنامجهم الأيديولوجي من خلال النخب «الهاشمية » الرائية للعصر وأحواله، بدلاً من الذهاب بعيداً خارج الجغرافيا السياسية اليمنية، وللحديث صلة . [email protected]