اعتلى النسر دوماً مكاناً عالياً في سلم المجد ، فالنسر من أقوى الطيور وأكثرها رفعة واعتلاء ، لا يقبل بالعيش في الأسافل، بل يعتلي الأماكن الشاهقة، وينقض على فريسته كالصاروخ، ويتمتع بقدر كبير من نبل الشكل وقوة الشكيمة، ولهذا ، كان النسر ومازال الشعار المعتمد لكثرة كاثرة من الدول والإمبراطوريات، ولعل النسر الأمريكي هو الأشهر هذه الأيام، لأنه رمز القوة الأمريكية، فإذا كان النسر ملكاً بين الطيور، فإن الولاياتالمتحدة ملكة بين الأمم المعاصرة، بما أوتيت من قوة عسكرية واقتصادية، أما نسر العرب الذي نراه كشعار للعديد من أوطاننا العربية التي تاقت إلى المجد فلم تنل سوى الخيبات .. هذا النسر العربي لا مخالب له ولا قوة، بل إنه وديع مستسلم يسترخي في أحضان اللوحات المخملية المذهّبة للدور الرئاسية ووزارات الخارجية، فهو لا يخيف أحداً في العالم سوى الشعوب العربية، ولا يستأسد إلا على جماهيره المكبوحة . لكن النسر الذي يتحلى بكل تلك الصفات الفريدة ليس إلا طائراً ينطبق عليه ما قاله الشاعر العربي : ما طار طير وارتفع إلا كما طار وقع وهكذا زالت الممالك وانهارت الإمبراطوريات، وتحول الضعفاء إلى أقوياء، والعتاة إلى أذلاء، والأمثلة في هذا الباب لا عد لها ولا حصر، نذكر منها مثالاً الإمبراطورية الرومانية، والرايخ الهتلري، والاتحاد السوفيتي. ولن يكون اللاحقون في طريق الانهيارات بمعزل عن قوانين النسور الجارحة التي سرعان ما تقع على الأرض بعد أن تزداد عتواً ونفوراً . يعتقد المستكبرون القائمون على جبروت الهيمنة والقوة إنهم بمنأى عن قوانين الطبيعة والتاريخ، لكنهم في نهاية المطاف لابد سائرون إلى حتفهم، وخاصة بعد أن تتكاثر عليهم الضباء فلا يعرفون ماذا يصيدون بحسب قول الشاعر : تكاثرت الضباء على «خراش» فما يدري «خراش» ما يصيد والشاهد أن النسر المأفون بالقوة يفترس الأحياء والجيف أيضاً، وكلما ازداد قوة زادت افتراساته العدمية، فلا بأس من قتل الفريسة لمجرد الاستمتاع، ولا بأس من نهش الجيف إذا ما تيسّرت في المفازات، وهكذا يفعل نسور الأرض البشرية الذين يزدادون قوةً وجبروتاً، فيقتلون ويقتلون، ويخربون وينهبون، حتى إذا فاض بهم الكيل وبلغ السيل الزبى وجدوا أنفسهم محاصرين بضحاياهم ودماء موتاهم، فتأتيهم الصاعقة من حيث لا يحتسبون. [email protected]