- من حق القارئ الذي لايعرف شيئاً عن خراش وظبائه أن يتساءل: من هو وما شأنه وما حكايته مع الظباء.. والإجابة على الموضوع كله تأتي في بيت من الشعر العربي القديم اختزل فيه صاحبه حكاية خراش وحيرته عندما ذهب لاصطياد ظبية واحدة فوجد نفسه محاطاً من جميع الجهات بعشرات وربما مئات الظباء فاحتار أيها يصطاد وجعلته حيرته هذه يعود من دون صيد وبيت الشعر المشار إليه هو: تكاثرت الظباء على خراش فما يدري خراشٌ ما يصيد وقد صار هذا البيت يضرب مثلاً لكل من تكاثرت حوله القضايا فلايدري بأيها يبدأ، وفي حال مؤتمر القمة الذي انعقد في الخرطوم ما من شك في أن جدول أعماله الطويل الذي يرزح تحت أعباء من المشكلات الجديدة بالإضافة إلى المشكلات المؤجلة من مؤتمرات سابقة قد وضعه في حال لاتختلف عن حال »خراش« ذلك الإعرابي الذي طاش صوابه وهو يتأمل حشد الغزلان من حوله، وإن كانت حيرة ذلك الإعرابي أهون وأقل شأناً بما لايقاس من حيرة أصحاب القمة، الذين عادوا إلى ديارهم دون أن يحلوا مشكلة واحدة أو يضعوا النقاط على الحروف تجاه واحدة من المؤرقات التي جعلت العرب حكاماً ومحكومين في وضع لايحسدون عليه. ويبدو أنه لم يكن أمامهم من حل إلاَّ الموافقة على تأجيل أهم ما ورد في جدول الأعمال إلى مؤتمرات قادمة إذا أمد الله في عمر الأمة وتمكنت من مقاومة الضغوط الداخلية والخارجية، وفيها ماهو مادي ونفسي كما أن منها ما كان يقتضي الحل العاجل كالوضع الفلسطيني المأزوم والوضع الكارثي في العراق حيث يزداد سوءاً يوماً بعد يوم وأحياناً ساعة بعد ساعة. لقد ظهرت في الأسابيع القليلة الماضية كتابات مخلصة تدعو إلى إلغاء المؤتمر أو تأجيله إلى أجل غير مسمى، لا كراهية في لقاء الزعماء العرب ببعضهم وإنما خوفاً من ردود أفعال الفشل المؤكد في التوصل إلى حلول إيجابية وإلى قرارات وتوصيات لاتموت قبل أن يجف حبرها كما كان الحال مع قرارات وتوصيات مؤتمرات قمة سابقة ساعد تجاهلها على تعميق حالات الإحباط في النفوس وما يصدر عن مثل هذا الشعور من مواقف تتراجع معها قضايانا- دولياً- إلى درجة غير مسبوقة، وليس صحيحاً ما يقال من أن العالم لم يعد يلتفت كثيراً أو قليلاً إلى أوضاعنا ومايجري في أقطارنا من خلافات وانتكاسات، وربما كان العكس هو الصحيح إذ لاشغل للعالم غير متابعة مايحدث في المنطقة يستوي في ذلك شرق العالم وغربه. إن مشكلة الأمة مع المؤتمرات الدورية هي مشكلة الحكام أنفسهم الذين يجتمعون وينفضون بحكم »الدورية« لا بحكم ما يفرضه الواقع من ضرورة مواجهة الأحداث المتلاحقة بمستجداتها المؤلمة، وقد يختلف معي كثيرون في ما ذهبت إليه من أن جدول الأعمال بملفاته المثقلة بالمشكلات المتعددة كان وراء انصراف القادة العرب عن مناقشة أي منها مناقشة جادة وحاسمة، فالغالبية من أصحاب الرأي في الوطن العربي يرون أن الملفات الحقيقية والضاغطة لاتزيد عن ثلاثة أو أربعة ملفات على رأسها ملف فلسطين وملف العراق، والملف الأخير من وجهة نظر الشارع العربي هو الأكثر إلحاحاً والأشد ضغطاً لما يتعرض له الأشقاء هناك من احتلال واقتتال طائفي ناتج عن تدبير مدروس لتمزيق ماتبقى من أواصر الأخوة بين أبناء الشعب الواحد والذي كان إلى وقت قريب شعباً واحداً قبل أن تنجح قوى الاحتلال في تفكيك لُحمته وتوازناته. *أسبوعية الميثاق: