فقدان الثقة بين المواطنين والسلطة الحاكمة في بلادنا أبرز مظاهر الأزمة العامة التي تعيشها البلاد.. بمعنى أن الناس ينظرون بشك وعدم اقتناع لكل ما يصدر عن السلطة من تصورات وخطط وقرارات.. هذا الحال قد لا يكون صحيحا في كل الأحوال.. لكن عدم الثقة هو الأصل، والسلطة تظل مدانة عند الشعب حتى يثبت العكس! فإذا قالت السلطة إنها ستكافح الفساد قال الناس: بدأ الفساد عصره الذهبي!
وإذا أعلن أنه لا محسوبية بعد اليوم.. وأن الفيصل هو معايير الكفاءة والخبرة والنزاهة.. أيقن الشعب أن هناك قرارات صدرت في الباطن محكومة بالمحسوبية والقرابة، وأن ما أعلن هو الدخان الذي يمرر الخطأ الفاحش! وإذا سمع المواطنون حديثا رسميا عن ضرورة ضبط الأسعار ومكافحة الغلاء.. قالوا هذه جرعة رسمية غير مباشرة وضوء أخضر لرفع الأسعار! (وعلى ما سبق يمكن قياس الكثير من الأمثلة!).
(2) هذه النفسية العامة الشائعة وليدة عقود طويلة من السنين سمع الشعب خلالها غير ما رأى في حياته اليومية، وعرف من الأحوال وقرأ من الشعارات البراقة ما كانت تكفي لتغطية الأرض اليمنية من أقصاها الشرقي إلى طرفها الغربي!
سنوات طويلة من (البلف) السياسي والإعلامي كانت أكبر بكثير من الواقع؛ لكنها كرست عدم الثقة والشك في كل ما يصدر عن الجهات الرسمية حتى وصل إلى حد تفسير كل حادثة وفاة لشخصية عامة بأنها جريمة مدبرة ولو مات صاحب الشأن على فراشه.. بل إن من شر البلية الذي يضحك أن المواطنين بتلقائية يفسرون قرارات حكومية بأن وراءها صفقات تجارية تخدم مسؤولين ما.. فأزمة الكهرباء إذا اشتدت على خلاف البشائر الحكومية فلأن صفقة تجارية من الشموع والمولدات الكهربائية - أصحابها مسؤولون أو تجار شركاء مع مسؤولين- وصلت ولابد من توفير الأسباب لإقبال المواطنين على شرائها! وقرار فرض استخدام الحزام في السيارات وراءه صفقة تستفيد منها أطراف هنا وهناك!
وبصرف النظر عن صحة التفسيرات الشعبية لما حدث ويحدث.. إلا أن الحاصل هو هذا القدر الكبير من عدم الثقة الذي يحكم العلاقة بين الشعب والسلطة.. ومن المؤسف أن السلطة –بغباء تاريخي- لا تبدو مهتمة بمعالجة هذا الأمر وتصحيح العلاقة.. ربما لأنها تعتمد في بقائها على أساليب وطرق ليس منها الإرادة الشعبية التي تجسدها نتائج انتخابات حرة ونزيهة! وربما هو (النخيط) المعهود للحكام الذين لا يأبهون لمعاناة شعوبهم ولا يصدقون وجودها أصلا.. ويتعاملون معها على طريقة ملكة فرنسا الشهيرة عندما قيل لها إن الشعب لا يجد الخبز فردت ناصحة بالكيك أو الجاتوه!
(3) أزمة المياه.. وقرب جفاف الحوض المائي في صنعاء أحد الأخطار المخيفة التي تخيم بظلالها على المواطنين.. وقبل أسابيع بثت وسائل الإعلام أخبارا عن أن موعد الجفاف الشامل صار قريبا ما بين 2017-2020.. أي أن الأمر كله محكوم بعشر سنوات على الأكثر.. وهي مدة زمنية قصيرة جداً في عمر الشعوب وفي عمر الأفراد على حدٍ سواء! وبالرغم من ذلك فلم يحدث شيء ذو بال على المستوى الرسمي، فعلى الأقل كان ينبغي أن تعلن الحكومة حالة الطوارئ الشاملة.. وتبدأ في اتخاذ خطوات فورية تؤكد للشعب أنها غير غافلة عن الخطر القادم، وأنها كانت تعرفه وتستعد له من زمن بعيد، ولاسيما أن (إنذارات الجفاف) ليست جديدة ولا مفاجئة.
ومنذ الثمانينات والناس يسمعون أن (صنعاء) على وشك أن تتحول إلى صحراء قاحلة.. بل إنني أذكر في نهاية الثمانينات أستاذا معروفا في الجيولوجيا، تولى عمادة كلية العلوم يوما ما، وهو يتحدث في مأدبة غداء بثقة لا متناهية عن أن الجفاف قادم خلال بضع سنوات (وتخيلوا صنعاء بدون ماء.. من سيسكن فيها)؟
لا يعني هذا أن الحديث عن أزمة الماء في صنعاء وغيرها من المناطق أمر غير صحيح ومجرد تهويلات.. لا.. هناك أخطار موجودة ومتوقعة بالفعل.. وأخطر ما فيها هو أسلوب تعامل (الحكومة) معها.. فهي على عادتها المعروفة ستصنع إستراتيجية ستكون نتيجتها أغنية وطنية عنوانها (أهلا.. بالجفاف).. وحتى هذا الذي نسمعه ونقرأه عن توجه الحكومة لمواجهة أو محاصرة زارعة القات التي تستنزف 60% من المياه في حوض صنعاء؛ لن يكون له نتيجة إن صدقت الحكومة وبدأت في تنفيذ تهديداتها. بل الراجح أن زراعة القات سوف تزداد نجاحا!
قد يقول قارئ إن الحكومة معذورة بسبب كثرة المشاكل والأزمات.. وأنها صارت مثل (خراش) في الحكاية المشهورة عندما تكاثرت عليه الظباء فلم يعد يدري ما يصيد منها، مع الفارق بين من يواجه مشكلة في صيد الظباء ومن يجد مشكلة في أن يكون هو صيدا للأزمات.
ليست الحكومة معذورة في حال.. والذي لا يستطيع حل مشاكل الناس فلا طريق أمامه إلا الاستقالة واللجوء إلى التقاعد المبكر.. وإن كان حل أزمة الجفاف المتوقعة أسهل في بلادنا من إقناع ولاة الأمر في التفكير بالتقاعد فضلا عن الاستقالة والتفرغ لكتابة المذكرات!
لست متشائما من إمكانية حل أي أزمة بما فيها خطر جفاف العاصمة.. لكنني غير متفائل إطلاقا في أن العقليات التي تحكم بلادنا قادرة على مواجهة المشكلة بطريقة صحيحة وجريئة؛ لأن (الكل) محكوم بنمط معين من التفكير مرتبط بالتوجيهات الأعلى منه، وكلهم لا يعرفون حقيقة المعاناة من هذه الأزمة لأنهم يعيشون بعقلية (ما فيش ماء.. خلوهم يشربوا بيبسي!).
(4) خلال الأسابيع أو الشهور الماضية، تحدث كثيرون عن خطر الجفاف الذي يخيم على صنعاء.. ومن بين الذين تحدثوا مهندس يمني متخصص في هذا المجال اسمه (أحمد عبدالله جحاف).. تحدث وكتب وأعلن مجموعة من الآراء المدهشة حول هذه الأزمة.. بعضها يثير مخاوف لا من جفاف المياه ولكن من جفاف العقول التي تتصدى لحل الأزمة! والغريب أن الرجل تحدث في وسائل إعلام محلية وعالمية وفي ندوات في مراكز دراسات لكنه يشكو أن أحدا من أصحاب القرار لا يهتم بما يقول.. والراجح أن مصير آرائه سيكون مشابها لمصير حوض صنعاء في سوء الحال والمآل.
فعندما عرف أن هناك مؤتمرا خاصا بالمياه سينعقد في الثلث الأخير من هذا العام تقدم بطلب للانضمام إلى اللجنة التحضيرية بحكم اهتمامه بالموضوع.. وكانت المفاجأة بعد إحالة الوزير المختص لطلبه إلى الجهة المتخصصة أن ردها كان بأنهم لا يعرفون أو لا توجد لديهم معلومات عن لجنة مشكلة للتحضير لمؤتمر المياه ولا يعرفون المسؤول عنها.. والسلام جفاف!
المهندس جحاف لديه رؤيه بأن المعطيات الأساسية التي بنوا عليها حكم الجفاف القادم غير دقيقة وتشوبها ارتجالية بدليل أن مواعيد الجفاف المعلنة منذ الثمانينات لم تتحقق.. وأرقام كميات المياه المتجددة أو المستهلكة متناقضة في تصريحات الجهات اليمنية والخارجية،والخطر الداهم في رأيه هو قيام الحكومة بحفر عشرة آبار في الطبقة التي تلي الطبقة الأساسية الحاوية للمياه مما يهدد بتسرب المياه الجوفية التي يعيش عليها سكان العاصمة! لسنا مختصين في التفاصيل العلمية للموضوع لكننا نأمل أن مسؤولا بحجم الأستاذ الأرحب سوف يهتم بأفكار هذا الرجل ويعطيه ساعة من وقته ليستمع لحججه (مشفريا) فلعل ذلك يكون سببا في ألا يأتي يوم لا يجد الناس في صنعاء شربة دونها أنهارا من الدماء!
(5) عندما قرأت ما كتبه د. حمود العودي حول الخلاف الدائر حول تحديد سن الزواج وما كتبه كثيرون ممن أقحموا أنفسهم في الزفة.. اتضح الفارق بين من يعتبرون الكلام أمانة ومن يخوضون فيه حبا في الظهور أو في إرضاء صاحب الذهب!