صديقي أعرفه منذ فترة , شق طريقه بسرعة البرق, إلى حيث يريد ويرغب, ولكنه لازال تائها في دروب المذاهب الفكرية العصرية, وبالذات صاحبة الرطانة الأمريكية, لأن الدولار سيد مغوار, يطيح بكل ناطح وحافر وذي ناب, لم تكن عملية التحول الجذرية متدرجة ومتأنية وعبر قنوات ومراحل متقاطرة, وإنما كانت هرولة وبصورة هستيرية, ومن شدة الهسترة ضاعت أولوياته في مهاجمة خصمه الجديد, مما جعل الظباء تتكاثر على صديقي خراش وما درى ما يصيد. مرحلة التحول هذه مرحلة جديدة ولكل جديد " بشّة " وهذا ما يفسر لنا أن الليبرالي الصغير الذي بدأ يشق طريقه متسلحا بفأس ومنجل, وهي من القواطع الحادة التي تأتي على المادة من جذورها لتستأصلها وتجتث المشروع فلا تبقي له أثر ولا تذر, يتفاعل بسرعة غير عادية ويرتمي في محتضنه الجديد, فالثدي كان مغريا لاكتنازه باللبن, مما سال له لعاب وليدنا الصغير, ونظرا لخلو حياة صديقي من الخبرة الكاملة في مهارة شن الحروب وقصقصة المشاريع المعادية, وعدم اكتمال عملية تحميل الخبث الليبرالي لديه, تبدو ظاهرةً للعيان لدى صديقي عمليةُ التشتيت و الرمي العشوائي الذي لا يصيد صيدا ولكن يفقأ عينا ويكسر سنا. أحد إخوان صديقي في الملة الليبرالية, وهو لا زال صغيرا لم ينبت له الريش بعد, غرد في عشه الإلكتروني متوهما أن ريشه نبت وكبر ليحمله بعيدا في فضاء ليبراليته, كي يحاكي النسور التي باتت تحوم وتصول وتجول في قمم وشاليهات وقصور القارة العجوز وبلاد العم سام, ليسلّموا فقط على حسناوات بني الأصفر, أطلق العنان لهواه الليبرالي بعد أن أفلته من كل رابط وضابط , تاركا كل قدسية وإجلال وإكبار لشخص رسولنا الكريم – عليه الصلاة والسلام – وراء ظهره, وبدأ معركة إثبات الولاء المقدس, وأفرغ جوفه المشحون قيحا وفيحا في حق رسولنا الكريم – صلوات الله عليه- ولما انتهت عملية التغذية مع جنيه الموحي له وقال " إني أرى ما لا ترون …." تركه وحيدا يصيح كالطفل الذي فقد أمه ليعلن توبته من خلف القضبان. لازلت أعتقد أن لصديقي الليبرالي الصغير الذي فضل خبز أمريكا على مرق العرب لازالت له محطة ولعلها أخيرة ينخ فيها ركابه ويرح دابته ويضع عصا الترحال, ولا أدري إلى أين ستقوده حيرته, وإن كنت أتمنى أن نعود أصدقاء كما كنا زمان.