في كل بلاد الدنيا أصبح الدولار تعيساً ويعاني الأمرّين في مواجهة العملات الأخرى وخصوصاً اليورو, وفي بلادنا فقط نجده يستعرض عضلاته وكأنه أسد على الريال اليمني ونعامة في بنوك ومصارف وبورصات الشرق والغرب. يعود أصل رأس المال الذي يسعى لتوليد المزيد من نفسه دون أن يقدم أية سلعة حياتية أو خدمية إلى الربا، ولكن لم يحدث في التاريخ البشري من قبل أن كان هذا الشكل هو النمط المسيطر على تنظيم الحياة الاجتماعية. لقد حدث هذا عندما أصبح المال يدور في دوائر مغلقة بين استثمار المال وتوليد الأرباح بحيث أصبح في كل مرحلة من نموه يرتبط بهدف واحد، هو مضاعفة نفسه، ولم يعد هناك الآن أي التزام لرأس المال تجاه أي نظام اجتماعي على وجه الأرض. فالأموال تتحرك بحرية وتتزايد وتدخل إلى البلدان كلها وتخرج منها، ليس بغرض دعم الحياة الاجتماعية في الدول المضيفة، بل على النقيض، وحتى الموارد وأشكال الحماية القانونية والسياسية يتم توجيهها لزيادة انتشار هذا السرطان الرأسمالي. العجيب هنا هو أن الجميع مدينون وبلا استثناء! الأغنياء، سواء أكانوا رجال أعمال أم شركات كبرى أم حكومات دول كبرى وعظمى، بل إن الدولة العظمى الوحيدة هي أيضاً في الوقت نفسه الدولة المدينة العظمى!. ومن المعروف أن الولاياتالمتحدةالأمريكية خرجت من الحرب العالمية الثانية بأقوى اقتصاد في العالم، حيث كان إنتاجها الصناعي عام 1945 أكثر من ضعف الإنتاج السنوي لدول أوروبا واليابان مجتمعة، ولديها 65 % من احتياطي الذهب العالمي. وحلت البنوك والمؤسسات المالية الأمريكية محل مؤسسات مدينة لندن كمصادر للتمويل العالمي (مثلما حدث في مشروع مارشال لتمويل إعادة بناء أوروبا بعد دمار الحرب العالمية الثانية). وتم فرض السيطرة الاقتصادية الأمريكية على العالم من خلال جعل الدولار هو العملة العالمية التي تستخدم في معظم التبادل التجاري، بحيث يتم تسعير السلع به وجعله عملة الاحتياطي العالمي مع التزام أمريكا بتحويله للذهب بسعر متفق عليه، وفرض احترام هذا النظام بالقوة العسكرية. وكانت الخطة تستلزم إنشاء ما يسمى بمنظمات اتفاقية بريتون وودز وهي صندوق النقد والبنك الدولي (أضيفت لهما فيما بعد اتفاقيات الجات ومنظمة التجارة العالمية)؛ لتكون أدوات الإمبراطورية الأمريكية غير السافرة المرتكزة على الائتمان والتمويل؛ لأن مطابع الدولار الذي يحتاجه الجميع لشراء السلع موجودة في أمريكا. واضطرت أمريكا إلى الدخول في حروب إقليمية متعددة للمحافظة على هذه السيطرة أدت إلى عسكرة الاقتصاد الصناعي الأمريكي بالتدريج على حساب تطوير الاقتصاد الصناعي المدني. لكن في مقابل هذا السرد التاريخي والأزمات الاقتصادية العالمية التي أثرت على الدولار وجعلته يتراجع أمام العملات الأخرى ..لماذا الريال اليمني مازال يعاني ولا يستطيع أن يقاوم؟ هل المسؤول عن ذلك الدولار أم أنها سياساتنا النقدية وحالة الفوضى والاختلالات التي جعلت المتاجرين بالعملة يعبثون دون رادع. لا شك أن على الدولة أن تعيد الأمور إلى نصابها وتضع حداً لكل الممارسات التي أدت إلى هذا التدهور وبما له من تداعيات تقذف بالمزيد من الأسر اليمنية إلى خانة الفقر والفاقة وفوق ذلك سيكون لها آثار خطيرة ليست في صالح التوجهات لتعزيز بسط سيادة النظام والقانون ومناخات الاستقرار السياسي والأمني في البلد.