لم يتفق الفرقاء اللبنانيون سياسياً ومذهبياً على شيء قدر اتفاقهم على احترام جيشهم في العقود الأخيرة، أي منذ اندلاع الحرب الأهلية عام 75 سواءً أكان وزيره مسيحياً أم مسلماً.. وكان لذلك الاحترام المشترك أثره على تقدير دور الجيش في التدخل عند الضرورة لفض أي اشتباك مسلّح بين ميليشيات الأحزاب؛ دون أن يترك فرصة لأحد من قيادات تلك الأحزاب التي كوّن كل منها لنفسه ميليشيا تمتلك السلاح والمال من مصادر خارجية وعلى رأسها اسرائيل التي خلفها جيش لبنان الجنوبي بقيادة انطوان لحد لسنوات عديدة؛ انتهت عام 2000 بانسحاب الجيش الاسرائيلي من الجنوب من طرف واحد وبصورة مفاجئة، تاركاً انطوان لحد وجيشه العميل يبحث عن ملجأ!!. والمفاجأة التي فجّرها الجيش اللبناني يوم الثلاثاء الماضي عندما اضطر إلى إطلاق النار على وحدة عسكرية اسرائيلية اجتازت الحدود في قرية العديسة الجنوبية. لم يصدق الاسرائيليون أو قوات “اليونيفيل” المتهمة بعدم الحيادية في مهمتها الموكلة إليها بمراقبة الحدود ورصد الاعتداءات ورفع التقارير عن المعتدي؛ وهو دائماً العدو الاسرائيلي الذي خرق القرار 1701 آلاف المرات منذ وقف إطلاق النار في حرب صيف 2006 التي تكبّدت فيها اسرائيل هزيمة نكراء!!. فقد اعترف الاسرائيليون بالاعتداء، وأنهم لم يكونوا يتوقعون رداً من الجيش اللبناني بهذه القوة التي سقط فيها ضابط اسرائيلي كبير وأصيب ضابط آخر وبعض الجنود الاسرائيليين!!. لأن الاسرائيليين كانوا يتهمون الجيش اللبناني بأنه مجرد جاسوس لحزب الله والمقاومة؛ وليس بمقدوره مواجهة كتيبة اسرائيلية مزوّدة بالدبابات والصواريخ والمدفعية، آملين أن يتولى حزب الله الرد عليهم ومنعهم من التوغل داخل الأراضي اللبنانية من أجل شن حرب شاملة قد لا تتوقف عند الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة وإنما تمتد إلى الدول المجاورة وخاصة إلى قطاع غزة لإعادة احتلاله. وقد أدرك حزب الله والمقاومة اللبنانية أبعاد السيناريوهات التي دشّنتها اسرائيل بحملة الدعاية ضد سوريا بأنها تزوّد حزب الله بصواريخ “اسكود” بعيدة المدى، وإجراء مناورات شاملة تحاكي تعرّض هذه الدولة المارقة لهجوم تشنّه عليها المقاومة اللبنانيةوسوريا وحركة حماس وإيران؛ فلم يتدخل. لأن الجيش اللبناني هو المخوّل بالدفاع عن سيادة لبنان، وعند الضرورة يمكن للمقاومة أن تخوض المعركة إلى جانبه، وتلقين اسرائيل درساً جديداً قد يقلب الموازين ويربك القوى الكبرى التي تقف دائماً إلى جانب العدو الصهيوني. وقد خرج اللبنانيون في الجنوب لتحية الجيش وتوبيخ قوات “اليونيفيل” دلالة على نظرتهم إلى هذه القوات بأنها تخدم اسرائيل وليس وقف إطلاق النار، وتسيّرها الدول الكبرى ومعها الأممالمتحدة كيفما شاءت، لذلك لم تصدر عن هذه القوات أية إدانة للاعتداءات الاسرائيلية على لبنان جواً وبحراً وبراً منذ أربع سنوات.