في الوقت الذي يتأهب اليمنيون نفسياً لاستقبال شهر رمضان المبارك يتراءى لهم الجانب المادي بصورته المفزعة، غلاء الأسعار وجشع التجار وغياب الرقابة وهبوط قيمة العملة الوطنية وطغيان الدولار، وانشغال أولي الأمر بالسياسة والحوار.. شهر رمضان الرحمة فرصتنا جميعاً مجتمعاً ودولة لنراجع أنفسنا ونتعرف على الخلل، نعترف بالأخطاء، نصحح ما نستطيع تصحيحه بجدية وموضوعية ومصداقية ووضوح، دون تسويف أو استثناءات؛ نستشعر بأن الوطن يحتاج منا أن نفيق من أحلام اليقظة وننظر إلى الواقع المعاش الذي لا يسر عدواً. معاناة الناس ومتاعبهم حالت دون الاستقبال المعتاد من قبلهم لرمضان الخير والرحمة، تحولت تلك الحفاوة وعلامات البشرى إلى لعنات تصب فوق رؤوس الفاسدين والعابثين والمتلاعبين بالعملة الوطنية والأسعار معاً!!. الراقصون فوق رغيف الخبز تجمدت ضمائرهم، وما عادوا في اتصال مع المجتمع إلا حين تُراجع الأرصدة وتفتح مظاريف المناقصات، وتلوح في الأفق حمّى الصفقات وما يقرب إليها ويحقق الاستحواذ عليها!!. مواجع الناس في يمننا الحبيب تزداد يوماً بعد يوم ولم تجد لها صدى، رغيف الخبز يتحول إلى صعب المنال، ولم يجد ذلك الأمر صدى أو ردّة فعل حكومي حازم تعيد الأوضاع إلى الأفضل، وتعيد الثقة بها إلى المواطن، وبإصلاحاتها التي بدأت ولم تنته. ونخاف أن يطول الانتظار، مع أن أمر الإصلاح لا يحتاج إلا إلى قانون لا استثناءات فيه، ودولة وحكومة مؤمنة بالتغيير والإصلاح، ورجال حكماء من العيار النزيه. تمنيت لو أن لجنة الحوار التي بدأت أعمالها يوم أمس دخلت إلى مواضيع الحوار مباشرة دون خطب ومعلقات لا حاجة للحوار والوطن والمواطنين بها. لأن الخطب وكلمات الترحيب لا تصنع خبزاً ولا تشبع جائعاً ولا تعالج مريضاً ولا تحقق أمناً وسلاماً؛ إنها مجاملات لا أهمية لها، وعبارات قد تثير مواجع وتعيد الحواجز النفسية التي شكلت كابوساً سياسياً نتمنى ألا يعود. الوطن بحاجة إلى العمل الجاد والعلاقات الإيجابية بين فرقاء السياسة في المجتمع اليمني، والشعور بالمسئولية الوطنية والإنسانية تجاه وطن يئن وشعب قد تبلّد من المواجع. اليمنيون جميعاً - وخاصة المطحونين منهم - سيرفعون حتماً أكفّهم إلى السماء يدعون للجنة الحوار بالتوفيق والنجاح إن رأوا أنهم جديرون بتلك الدعوات. أو سيدعون عليهم إن تحولت تلك الاجتماعات إلى حلبة صراع وتصيّد للأخطاء وتصفية الحسابات وعقد الصفقات يكون الوطن هو الخاسر الأول فيها!!. رمضان واحة رحمة ومحبة وخير وألفة؛ فكونوا من عشاق تلك القيم والمدمنين عليها، اثبتوا جميعاً أن الحكمة يمانية، ولا تُفرغوا تلك الشهادة والوسام النبوي الكريم من محتواه ومضمونه. بالله عليكم لا تجعلونا مسخرة للأقرباء والبُعداء؛ أصبح اليمنيون نكتة في المجالس والتجمعات بسبب اللا مبالاة وفقدان الشعور بالمسئولية وموت الضمير!!. لوجه الله.. اعتدلوا أو اعتزلوا؛ فإن الله تعالى يُمهل ولا يُهمل.. رمضان مبارك للجميع. [email protected]