الشعور بالسعادة يختلف من شخص إلى آخر حسب الرؤيا لهذا الكون وللطبيعة والمجتمع والفرد لفترة معينة، وفجأة يحل محل السعادة الشقاء والهموم .. قد يشعر الإنسان بسعادته عند بلوغه قمة الرضا عن نفسه وأعماله المثمرة وتقديم الخير لإسعاد الآخرين من حوله. فالأرض تسعد بالمطر وتشقى بالجفاف والطير يفرح وتبدأ سعادته عند يقظة الفجر والمزارع يشعر بالسعادة عندما يثمر ساعده وتكثر غلة الأرض. وفي مقام آخر قد لايشعر الإنسان النبيه والواعي بسعادة وهو في نعيم العيش والرفل، وقد ينعم شخص آخر لايدري وهو في قمة الجهل والشقاء , كقول المتنبي: ذو العقل يشقى في النعيم بعقله وأخو الجهالة في السعادة ينعم وإذا صام الصائم شهر رمضان كاملاً يشعر بسعادة غامرة ومن أعجب العجاب سعادة نيرون .. نيرون الامبراطور الروماني كان سعيداً جداً وهو مستغرق في العزف على الجيتار أثناء احتراق روما سعادةً طافحة يحس بها المنتقمون خلال قطع الأعناق والأرزاق ودهس الزهور، والدين الإسلامي يفوق كل الأديان الأخرى في الأمر بالتعفف والتسامي والعفو عند المقدرة والتطهر، وعدم الانسياق في إشباع الرغبات كماً وكيفاً والسعي للوصول إلى النَّرفانا , والنرفانا قمة القداسة والطهر والرضا الروحي والنعيم الناجم عن التأمل في غبطة وحبور ، حيث تطمئن النفس لتقوم سعادتها على الأمن الباطني، والابتعاد عن كل مايسبب الألم والقلق والخوف وهو أمر واسع فيه , مع الأسس الدينية .. ولكن ضجيج الحياة مقلق ولايشعر الانسان بلذة العيش .. لنأتي على سبيل المثال إلى المدينة أية مدينة معاصرة تحتوي على النواتج الجميلة في تدمير السعادة خلال العصور. الضجيج والفردية وأصوات الإذاعات وكثرة مكبرات الأصوات لا في محلات الاعراس والجوامع بل في الشوارع المنادين ببضائعهم بواسطة المكبرات فضلاً عن أصوات المركبات والسيارات المزدحمة , وإذا انتقلت بكم إلى آراء من كبار الكتاب والمبدعين في عالم الفكر والثقافة لنستجلي من رؤاهم وأفكارهم ؛ فهنا المحلل الكبير الكاتب محمد مستجاب يقول: منذ بواكير التفكير الآدمي والإنسان مشغول بالسعادة، مهموم بوسائل تحقيقها: قفزاً وسلباً واحتكاكاً ومنافسة وابتساماً ونهماً وانحناءً وسطوة وتدليساً وتضحية وقلقاً واكتنازاً وخبصاً ومضاربة ومقامرة ومقاومة ومداهمة وطمعاً ونفاقاً مع أن أخطر ما في السعادة أنها في المقابل وبشكل متلازم تطرح البؤس والعذاب والتعاسة. الحقيقة أن السعادة لاتزال أمراً غامضاً في كل الأحوال ولاسيما في الحالات التي تقوم فيها دون أساس مادي ملموس أو سبب متوائم، وهي في قمتها تتساوى مع البؤس في أوجه ؛ ذلك أن علماء النفس يرون في الغارق سعادةً حالة مرضية الإغراق في قراءة علم النفس والفلسفة يصنع عوائق تحول دون المتعة التلقائية. مثلاً الموسيقى الراقية بالذات، أي الخالية من الضجيج والتي تمنحك متعة وجدانية .. والموسيقى الكلاسيكية تمنحك متعة عقلية غير أن الإغراق فيهما يخرجك من اللعبة كلها. يبقى أمر لابد من الاشارة إليه في السعادة وهو أن السعادة مثلها مثل التأليف والابداع والرسم والرقص نعم أرقى المواهب الإنسانية تشعر الآخرين بالسعادة. وكم نحتاج في هذا الزمن إلى ذخيرة من الفرح والمرح والبشاشة كي نملك جزءاً يسيراً من الحبور والسرور للتخفيف من ضغوط الحياة وضجيج عصر العولمة.