عبدالله العليمي عضو مجلس القيادة يستقبل سفراء الاتحاد الأوروبي لدى بلادنا    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    الريال يخطط للتعاقد مع مدرب مؤقت خلال مونديال الأندية    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    غريم الشعب اليمني    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    منظمة العفو الدولية: إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية على الهواء مباشرة في غزة    تراجع أسعار النفط الى 65.61 دولار للبرميل    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    الحكومة تعبث ب 600 مليون دولار على كهرباء تعمل ل 6 ساعات في اليوم    "كاك بنك" وعالم الأعمال يوقعان مذكرة تفاهم لتأسيس صندوق استثماري لدعم الشركات الناشئة    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    مئات الإصابات وأضرار واسعة جراء انفجار كبير في ميناء بجنوب إيران    برشلونة يفوز بالكلاسيكو الاسباني ويحافظ على صدارة الاكثر تتويجا    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    لتحرير صنعاء.. ليتقدم الصفوف أبناء مسئولي الرئاسة والمحافظين والوزراء وأصحاب رواتب الدولار    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدرسة الفيروزية والعنوان الأجمل للفن الرسالي
نشر في حشد يوم 06 - 02 - 2013

من الأمور لبديهية للمتلقي تلقفه للفن من زاوية أنه تلك الخلاصة الحسيّة الجميلة للتجارب الجمعيّة للمجتمعات الإنسانيّة. وإن هذه الخلاصة الفنيّة هي ثمرة النضج الفكري والثقافي والعلمي للمجتمعات، ولمّا كان الفن هو نتيجة لازدهار الفكر الإنساني، فإن انحطاط وتردي الفكر الإنساني والثقافي يؤدي إلى حالة «اللافن» أو انعدام الفن، أو ما يسمّى بالفن الرديء، وهو ما يطلق عليه اليوم في صحرائنا الفنيّة على وجه العموم «الفن».
وإنّ حالة الانحطاط الفنّي التي نعيشها اليوم في المجتمعات العربية قد لاقت رواجها بشكل كبير عند العامة، وذلك بسبب تردّي الفكر بشكل أساسي، وتدهور الذائقة الفنية بشكل كبير، والاندفاع الأعمى وراء كل ما هو جديد أو مطوّر أو مصدّر إلينا من مصادر أجنبيّة، وانتشار ثقافة «القطيع» بحجة أن الجمهور الحالي يريد ما يناسب عصره، عصر السرعة.‏. وهذه الأسباب السابقة أدّت إلى تدهور «الشعب العربي»، ثم إلى انعكاس في المفاهيم وانعدام في الذوق. فأصبح الفن هو الوسيلة وليس الغاية، والسؤال المهم هنا: إذا كانت خلاصة النتاج الفكري والحسي للبشرية هي وسيلة وليست غاية...! فما هي الغاية الأسمى من تلك الوسيلة....!؟‏
كلام نسوقه في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية التي تمتعت لعقود من الزمن بالقيم السامية ، وعرفت بنبذها لكل أمر من شأنه أن يأخذها بها إلى مستويات منحدرة من التفسخ والابتذال .
إن مجتمعاتنا اليوم تمر بمحك حساس تبرز تجلياته من خلال شعور المرء بكثير من الإحياط والاسى وهو يتقلب بين القنوات الفضائية، يتحسر من خلاله على زمن مضى، كان فيه الفن الأصيل ثم ولىّ وانقضى، حتى أصبح نادراً، أندر من الكبريت الأحمر.!
وهو شعور يجعلك تهفو للقديم الجميل ،الذي كان يأخذ بتلابيب هذه الروح من كدر الحياة التي شغلت المواطن العربي وذهبت به.
لقد وصلنا إلى حالة تغيُّر في سلّم الأولويات الإنسانيّة، مما أدى إلى تغيُّر في سلّم الأخلاقيات، ثم إلى تغيُّر في سلّم الحاجات الفكريّة والحسيّة والجماليّة. وبذلك ارتبط الفن بالنزوات والهوى، وأصبح الإسفاف من السمات الأساسية للمشهد الفنّي على الساحة العربية، فأصبحت الموسيقا والغناء تُسمع من الأرجل في أفضل حالاتها، أما في أسوأ حالاتها فهي تعبّر عن الانحطاط الخُلُقي قبل الفنّي، وما تردي الأغنية إلا نتيجة لتردي الكلمة المغناة، فأصبح الفن أداة تسويقية. ولكن لمن...!؟ ومن الذي يحتاج لمثل هذه السلعة الرخيصة....؟ ولماذا يحتاجها...؟ ومن هي الأيادي الخفيّة التي تقف وراء هذا التدهور...؟ ولماذا لها كلّ هذه السطوة والتأثير...؟‏
إنها ثورة صارخة بين عشية وضحاها أصبحنا في مواجهتها وتريد العودة بنا إلى حياة ماقبل اكتشاف الملابس حين لايجد المرء شيئاً يستر عورته فيكتفي بأوراق الأشجار يستر بها سؤتيه.
إننا في هذه الاجواء التي تزدحم فيها صور الآداب والذوق العام وقد زويت في زاوية التفسخ،و التي تحتشد فيها معاني الاسفاف والهبوط، فقط في هذا الوقت نتذكر من كانوا عكس هؤلاء والذين عبقوا أجواءنا بالأصالة الفواحة،والذين زفوا لنا الفن حينها تكلل بورود التحضر المعاصرة.
ومع أننا نلاحظ أن هذا الجمهور ذاته لا يزال يقبل على الأغاني القديمة مثلاً»، ولو بصيغها المخففة، مع التحفظ الكثير على هذه المحاولات. هذا الموضوع يقودنا إلى التجريب الذي أصبح مطية لكل جاهل. ونحتاج بكل تأكيد للتجريب الفنّي، ولكن ضمن أصول معترف عليها، ولا أعني بالأصول القواعد، لأن القواعد ليست مقدسة، بل أفكار وتجارب مستندة على أرضية صلبة تكون الثقافة الفنية أهم أركانها.‏
كما نلاحظ في الآونة الأخيرة اتجاه «كبار» الفنانين العرب إلى أساليب التسويق الرخيصة، فأصبحت ثقافة «الفيديو كليب» متأصلة بين الأوساط الفنيّة، وناهيك عمّا يلحق بالفيديو كليب من استعراض رخيص ومبتذل، بحجة حرية التعبير أو حرية الرأي، وأنّ كلّ ممنوع مرغوب.....!!!!‏
ونحن نتذكر ذلك يتراءى لنا في الأفق خيط رفيع مدلى في فنه الأصيل كان له القدح المعلى.
وعند حديثنا عن فيروز كقامة سامقة من قامات الفن فإنه واجب علينا التفريق بين ماتمثله مدرستها وأبناء جيلها ،وبين ماجدوا ستجد في ساحة الفن من أمور دخيلة تطفلت على ذلك الفن الأصيل.
«فجيلنا هذا جيل غدا وأصبح جيلاً بلا ملامح.. جيل مسكين لايستطيع حتى أن يفرق بين الفن بمعناه الراقي الذي يحمل قيم السمو والرقي، الفن الذي يبني داخل الانسان انموذجاً للمشاعر الانسانية الراقية والمقدسة التي تصل إلى حد الاحساس بالحياة والآخرين.
وبين الفن الذي يلغي الانسان من كينونة نفسه التي تصوغه صياغة سوية وهو موضع الرفعة في هذا الانسان، فنجد هذا الفن بدلاً من مخاطبته لهذه الروح العلية نجده يخاطب العوالم السفلية بكل حيوانية مقززة.
وكل ذلك ماترفعت عنه الفنانة فيروز، بل وابتعدت عن كل ماله صلة بذلك حتى البرامج التي لها اهتمام بذلك عافتها،ولم تلتفت إليها رغم الاغراءات وكم كانت الفنانة فيروز على قدر من الذكاء حين رفضت عرضاً تقدمت به الدكتورة/هالة سرحان التي كانت تقدم برنامج السينما والناس، قيمته باهظة كي تحظى بمقابلة مع الفنانة الكبيرة لكنها جوبهت بالرفض من قبلها،و حظيت الفنانة بعد ذلك بافراد قناة الجزيرة لها في برنامج تحت المجهر بحلقة كاملة لها ووقفت القناة الكبيرة مع أهم وأبرز محطات الفنانة الكبيرة في مشوارها الفني،وفي ذلك دلالة وضحة نتبين من خلالها مدى حرص الفنانة على المحافظة على مشوارها الفني نقياً صافياً، ناصعاً أبيض.
كانت تعلم علم اليقين حقيقة هذا المجتمع الشرقي وثقافته وتراثه وبالتالي استطاعت أن تصل إليه من هاتين الزاويتين، لذلك حفظ فنها جميلاً لم يستطع أحد أن ينبس ببنت شفه فيه معترضاً عليه.إن تاريخ وتراث الكبار لاتقطفه إلا أيدي الكبار، حتى يكونوا على قدر المسئولية، وعند مستوى الحدث
وبالمناسبة نحن كمجتمع شرقي،والواقع يشهد بذلك، وكثير شاطرنا الرأي، إننا بحاجة إلى اعادة الروح إلى كثير من معاني الطهر والعفاف ومعاني الستر والحشمة والتمنع ومعاني التبجيل والحياء.
التي بعضها غورت وطمرت وأصبحت بحاجة إلى التنقيب والاستكشاف،وبعضها أصبح في حالة موت سريري مطلوب انعاشها والعناية بها عناية مركزة.
وكل ذلك بسبب آلة الحرب التعهرية الفضائية المرئية التي جعلت من التبذل والتفسخ ثقافة،وجعلت من العهر والتعري حرية،وجعلت من المجون والسفور متعة،و إذا جاء ذكر القيم والأخلاق ومعاني الرقي والسمو، قالوا ذلك مجرد رأي فقط ليس إلا.
فاختلط الحابل بالنابل وانتكست المفاهيم واختلت الموازين،وأصبح عند كثير من الناس انفصام نكد ،نكد على كثير من الناس حياتهم،و البعض مسكين، لايفيق إلا على وقع أخلاقه وقد استقرت في أسفل أودية التفسخ بعدما ظلت تتدحرج في مهاويها، إنه السقوط المدوي الذي ظللنا نسمع عنه حتى وجدناه واقعاً حقيقياً في أيامنا هذه نلمسه ونشاهده وماأجمل الانسان وهو يحمل بين جنبيه روحاً تسمو به في هذه الحياة عن دروب الغواية وتبلد الاحاسيس تجاه الآخرين، فيكون احترام الناس سمة بارزة في ذلك،والأجمل من ذلك حين ينبغ ذلك من المرأة.
ولقد رأينا في فنانة مثل فيروز مثالاً راقياً في احترام الذوق العام،وعدم تعكير الاجواء بما ينافي الاخلاق ومالايتوافق مع طبيعة المجتمع،و الوقوف كثيراً عند التقليد العام للمجتمع العربي الأصيل،وعدم التعدي على مشاعر الآخرين ومؤذاتهم في بيوتهم حين يكونون بمأمن في أخلاقهم وشرفهم وحبهم للقيم والآداب فيسمعون ويشاهدون مالايتكيف مع منظومة القيم السائدة ويواكب رغباتهم الراقية،ويتنافى مع الأخلاق الشرقية، احتراماً واجلالاً لهذا المجتمع الشرقي ذي الأصالة والحضارة والرقي فيما يدعو الله من قيم وأخلاقيات.
فيروز حقيقة كانت وستبقى صوتاً له نكهته الخاصة التي استطابها ويستطيبها كل من له ذوق رفيع،وحدس عال بعكس تلك الاصوات النشاز من شذاذ الآفاق والتي كدرت على الناس ذوقهم العام من خلال ثقافتهم التي لاتتجاوز حدود السرة والركبة.
فيروز فنانة ظلت دائماً وأبداً في الاطار الرفيع جداً،وفي هذا المنحنى يمكن تفسير إبعاد فيروز عن الغناء في المطاعم والحفلات الخاصة،وهو ما أضفى هالة على الفنانة الكبيرة،وجعل صورتها في الاطار ذلك،اطار احترام الآخرين الذي ينبع من احترام الذات أولاً،واحترام الذوق العام ،والانضباط في الحركات،ومراعاة حدود الحرية الشخصية لا التفلت اللامحدود، حتى وإن كان كل ماذكرنا فيه إغضاب لطبقة السياسيين حين تتعارض مطالبهم مع قناعات فيروز،و بعد ذلك لانعجب إذا سمعنا أنه في العام1965م مثلاً، رفضت فيروز أن تغني في حفل أقيم على شرف الرئيس التونسي الراحل بورقيبه، لمناسبة زيارته الشهيرة لبيروت،والسبب في ذلك الرفض يعود إلى أن رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك، شارك حلو، كان قد اتفق مع زوجها على أن يكون الحفل في كازينو لبنان، لكنه قبل الموعد بساعة واحدة، تم ابتلاغ زوجها عاصي الرحباني أنه جرى تغيير المكان، فرفض،وأدت هذه الحادثة إلى اغضاب الرئيس بورقيبه فمنع طوال السنتين من اذاعة أغنيات فيروز في راديو تونس، رغم أن الشعب التونسي من أشد المعجبين بالسيدة فيروز وأغانيها.
وتكررت الحادثة نفسها في العام 1976م عندما كانت فيروز في القاهرة،و صودف انعقاد مؤتمر قمة عربي، فطلب الرئىس اللبناني الراحل إلياس سركيس من المطربة الكبيرة أن تحيي حفلة للملوك والرؤساء العرب في جامعة الدول العربية فجاء الجواب بالرفض.
حتى وهي في بداياتها نسبياً وتحديداً في العام1957م رفضت فيروز أن تغني في القصر الجمهوري في القنطاري، احتفالاً بزيارة شاه ايران، محمد رضا بهلوي لبيروت،وهو رفض بدوره أغضب الرئىس اللبناني كميل شمعون.
وهكذا نجد الفن حينما يغدو له رسالة في الحياة، لانستغرب من حدوث مواقف كبيرة طبقاً لكبر أصحابها وعلو مكانهم.. وعلى ذات الطريق ومن خلال مشوارها الفني نجد الفنانة فيروز لم تتوانى لحظة واحدة في نصرة قضاي أمتها، فلم يلهها الفن عن مواكبة قضايا أمتها بل كانت حاضرة معها لحظة بلحظة ونغمة بنغمة،وكذلك الفن حين تكون رسالته في الحياة واضحة وضوح الشمس في ضحاها أوالقمر إذا تلاها فإن رسالته تكون جميلة ترى طريقها إلى الجمهور مكونة لها قاعدة شعبية عريضة.
أليس للفن العربي جذور فكرية وثقافية أصيلة، أليس للفن العربي مصادره الحضارية بعيداّ عن كل من هو سطحي...؟ وهل الابتعاد عن تلك المصادر هو السبب وراء الواقع الفنّي الذي نعيشه...؟ أم أن تسخير الأيديولوجيا للفن يقف وراء كثير مما نشهده حديثاً من مغالطات، فنيّة في ظاهرها وتبعيّة في باطنها. وأين هم أصحاب الفن العربي الأصيل من كل هذا...؟ أم أنهم أنفسهم ضحية لهذا الواقع..؟‏
فيروز.. صورة من صور الفن الملتزم بالاهداف النبيلة،والغايات السامية،وبصوتها نجدها تشدنا إلى القيم المستقاة من الينابيع الصافية، التي أمدتها سماء المحافظة، فأخصبت خيالها،وغذت روحها وأمدت شعورها، ليست تلك القيم الشوهاء، التي زينت بمساحيق الخداع الكاذب،والتي لم تعد قادرة على اخفاء تجاعيد المجون السافر،والتفسخ الأخلاقي،والانحلال الحيواني، التي حفرت أخاديدها في كيان الأمة،و المروجة لهذا الفساد من قنوات تعهرية، تبث كل ماله صلة بمسخ القيم،وافراغها من محتواها،وسلخ العربي الأصيل من أخلاقه،وتعريته من ذوقه في أبشع صورة،و أخبث طريقة،وماثقافة الفيديو كليب وتقليعة استار أكاديمي النسخة العربية الامثال لذلك،و غيرها من هذه المظاهر حتى غدا وأصبح ذلك معلماً بارزاً تشير إليه البنان، حتى بنان أولئك الذين لهم شيء نسبي من ذلك.
أن مايسمى فناً من أهله في هذه الأيام، قد نسلم بذلك،ولكن لماذا لايسلمون أنفسهم أنه تفنن في ابداء الافخاذ والركب وابداء الرؤوس التي بلا ملامح والمبدلة بقطع الغيار والتفنن أيضاً في ابداء مابين ذلك سواء مابدا من الأمام أوالخلف في أبهى صورة تفسد الذوق العام، وتذهب رائحة القيم السائدة العبقة الفواحة بأريج السمو والتسامي.
حتى أصبحت اعراضنا في بيوتها وخدورها ،وماتحسه من أمن وأمان في مخادعها،وقد افترشت فرش العفاف والحياء،والتحفت أغطية الطهر والستر،وتلفعت برداء التمنع والحشمة،ومع ذلك تجد اعراضنا على فوهة بركان لامناص من الاكتواء بحره،وإذا قدر الله له أن يشتعل نشاطه وأذن لحممه أن تتقاذف حينها لامفر من الاصطلاء بناره.
إن المرء يحار حين يتحدث عن قيمة سامقة من قامات الفن الملتزم الأصيل،وفي المقابل فن شكل صورة مسخة بدون ملامح ،لاتعرف الغايات ولا الاهداف التي يجب أن تكون عليها رسالة الفن، كل ذلك غير موجود.
فأصبحنا نرى التفلت من القيم والدعوة إلى نبذ الأخلاق أصبحنا نرى فوضوية التعري وهوشلية العهر.. أصبحنا نرى عدم الانضباط والانجرار مع سيول التغريب النتنه التي تسلخ الفرد من جلباب الشرف والفضيلة.
أصبحنا نرى محاكاة الغرائز واستثارة الشر من كوامنه.. أصبحنا نرى حرية التخريب تماماً كما كانت عند من أحدث ثقباً في السفينة بحجة أنه أحدثه في حدود مايملكه وإن كان يعلم أن غرقها سيأتي عليه وعلى من رفضوا صنيعه.
وأمام خضم هذا المحيط الممتد،وأمواجه المعتركة،وقفت فيروز من أعماق قلبها تترحم على جيلها وهي تتأمل مد بصرها بيأس واحباط مرير موجات التعري العنيفة ورياح التفسخ الشديدة،و يلوح أمامها سحب سماء ملبدة بغيوم التبرج والاسفاف ،حينها أعلنت حدادها العام أمام هذه الغيوم حتى تنقشع.
والعجيب الذي لم تكن تعلمه فيروز والذي تفاجأت به وأصابها بنوع من الصدمة جعلتها تعيش نوعاً من الأسى على جفاف منابع الفن الصافية، هو أن غيوم التفسخ قد ظللت الاجواء بليل أسود قاتم.. وأفقه لايلوح فيه مايدلل على تبدده.
لقد غدا واقعاً رهيباً يشكل أزمة حقيقية،و ظاهرة تعلن عن نفسها.
فيروز مغنية ليست عادية، إنها صوت الراحة الوحيد وسط الشقاء العربي، قدمته بصورة راقية وحضارية.. عزاء وسلوى وحب وشجن وسط ضجيج عالم لم يكف عن التقاتل بسبب أو من دون سبب، رافقتنا نغمات صوتها من براءة الصبا، إلى قسوة النضج، تغنت معنا بأحلام المجد العربي،وبكت لمدننا الضائعة،وأرواحنا المنكسرة،وفي كل هذا حافظت على صوتها حاراً ومتدفقاً ،وعلى غنائها قوياً وعذباً ،دون أن نقدم أدنى ابتذال أومنظر رخيص، اكتسبت من خلاله احترام الجمهور.
كانت أشبه بشريان للحياة لم تعكره الصراعات العربية ولا الهزائم المتوالية، ظل سامياً وشادياً وسط عالم تسوده الفوضى والعشوائية،و لم تكن في حال من الاحوال جزءاً من هذه المشكلة.. هذه هي قيمة صوت فيروز الحقيقية.
إنها علت بنا وبالأرض التي نعيش عليها حتى تخيلنا أنه يمكن رؤية النجوم في وضح النهار ،أنه سحر الغناء حين يكون له رسالة في الحياة، لاتقدر عليه ساحرة.
وسؤالي للأخ/طلحة :
ماالذي صنعته هيفاء في هذا المضمار الذي دخلت حلبته معلنة الحرب الضروس بصدرها المتمترس بقبتين تحمل خلفها ارطالاً من اللحم كأنها المدمرة«يو،اس ،اس» التي تصرع المفتونين من كل الاتجاهات» وقد تدرعت سواتر تكشفها لعدوها وتمنطقت دروعاً تثقبها نظرات الخصم
والظاهرة الأحدث كانت اتخاذ بعض الموسيقيين الفيديو كليب طريقة لتسويق موسيقاهم «البحتة أو الصرفة»..!‏.. ومما يثير الجدل، الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تسويق؛ إذ أنه يشق طريقه إلى الروح مباشرة دون وسيط، ولكن التعامل مع الرخيص كثقافة راهنة، واعتبار التردي والانحطاط هو واقع طبيعي، هو ما يثير الإحباط مع من يحاول النهوض بالفن العربي وإعادته إلى مساره الأصيل مرة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.