الداخلية تعلن ضبط أجهزة تشويش طيران أثناء محاولة تهريبها لليمن عبر منفذ صرفيت    هادي هيج: الرئاسة أبلغت المبعوث الأممي أن زيارة قحطان قبل أي تفاوض    عاجل: هجوم صاروخي للحوثيين في خليج عدن وإعلان أمريكي بشأنه    قيادي حوثي يسخر من إيران ويتوقع تعرض الرئيس الإيراني (إبراهيم رئيسي) للاختطاف مع مروحيته    الدوري الفرنسي : PSG يتخطى ميتز    شيخ الأزهر يعلق على فقدان الرئيس الإيراني    بن دغر يدعو للتحرك بشأن السياسي محمد قحطان.. وبن عديو: استمرار اختطافه جريمة بحق الوطن    الليغا .. سقوط البطل المتوج ريال مدريد في فخ التعادل وفوز برشلونة بثلاثية    غموض يحيط بمصير الرئيس الايراني ومسؤولين اخرين بعد فقدان مروحية كانوا يستقلونها    قبيل مواجهة البحرين.. المنتخب الوطني يقيم معسكر خارجي في الدمام السعودية    الوزير الزعوري يتفقد سير العمل بمشروع إعادة تأهيل شوارع ومداخل مستشفى المعاقين ومركز العلاج الطبيعي عدن    ارتفاع حصيلة العدوان الاسرائيلي على غزة إلى 35,456 شهيداً و 79,476 مصابا    الجامعة العربية: أمن الطاقة يعد قضية جوهرية لتأثيرها المباشر على النمو الاقتصادي    إلى متى نتحمل فساد وجرائم اشقائنا اليمنيين في عدن    مصدر برلماني: تقرير المبيدات لم يرتق إلى مستوى النقاشات التي دارت في مجلس النواب    عاجل: نجاة أمين مجلس شبوة المحلي ومقتل نجله وشخصان آخران (صور)    إنتر ميامي يتغلب على دي سي يونايتد ويحتفظ بالصدارة    رئيس هيئة النقل البري يتفقد العمل في فرع الهيئة بمحافظة تعز مميز    وزير المياه والبيئة يبحث مع المدير القطري ل (اليونبس) جهود التنسيق والتعاون المشترك مميز    - البرلماني حاشد يتحدث عن قطع جوازه في نصف ساعة وحرارة استقبال النائب العزي وسيارة الوزير هشام    وفاة وإصابة عشرة أشخاص من أسرة واحدة بحادث مروري بمأرب    عدن.. وزير الصحة يفتتح ورشة عمل تحديد احتياجات المرافق الصحية    إعلامية الإصلاح تدعو للتفاعل مع حملة للمطالبة بإطلاق المناضل قحطان وجعلها أولوية    رئيس الهيئة العليا للإصلاح يعزي الهجري في وفاة والده    مدرب مفاجئ يعود إلى طاولة برشلونة    ريبون حريضة يوقع بالمتصدر ويحقق فوز معنوي في كاس حضرموت    تقرير: نزوح قرابة 7 آلاف شخص منذ مطلع العام الجاري    وكيل قطاع الرياضة يشهد مهرجان عدن الأول للغوص الحر بعدن    اليونسكو تزور مدينة تريم ومؤسسة الرناد تستضيفهم في جولة تاريخية وثقافية مثمرة    مصرع عدد من الحوثيين بنيران مسلحي القبائل خلال حملة أمنية في الجوف    من هو اليمني؟    خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المدرسة الفيروزية والعنوان الأجمل للفن الرسالي
نشر في حشد يوم 06 - 02 - 2013

من الأمور لبديهية للمتلقي تلقفه للفن من زاوية أنه تلك الخلاصة الحسيّة الجميلة للتجارب الجمعيّة للمجتمعات الإنسانيّة. وإن هذه الخلاصة الفنيّة هي ثمرة النضج الفكري والثقافي والعلمي للمجتمعات، ولمّا كان الفن هو نتيجة لازدهار الفكر الإنساني، فإن انحطاط وتردي الفكر الإنساني والثقافي يؤدي إلى حالة «اللافن» أو انعدام الفن، أو ما يسمّى بالفن الرديء، وهو ما يطلق عليه اليوم في صحرائنا الفنيّة على وجه العموم «الفن».
وإنّ حالة الانحطاط الفنّي التي نعيشها اليوم في المجتمعات العربية قد لاقت رواجها بشكل كبير عند العامة، وذلك بسبب تردّي الفكر بشكل أساسي، وتدهور الذائقة الفنية بشكل كبير، والاندفاع الأعمى وراء كل ما هو جديد أو مطوّر أو مصدّر إلينا من مصادر أجنبيّة، وانتشار ثقافة «القطيع» بحجة أن الجمهور الحالي يريد ما يناسب عصره، عصر السرعة.‏. وهذه الأسباب السابقة أدّت إلى تدهور «الشعب العربي»، ثم إلى انعكاس في المفاهيم وانعدام في الذوق. فأصبح الفن هو الوسيلة وليس الغاية، والسؤال المهم هنا: إذا كانت خلاصة النتاج الفكري والحسي للبشرية هي وسيلة وليست غاية...! فما هي الغاية الأسمى من تلك الوسيلة....!؟‏
كلام نسوقه في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ أمتنا العربية والإسلامية التي تمتعت لعقود من الزمن بالقيم السامية ، وعرفت بنبذها لكل أمر من شأنه أن يأخذها بها إلى مستويات منحدرة من التفسخ والابتذال .
إن مجتمعاتنا اليوم تمر بمحك حساس تبرز تجلياته من خلال شعور المرء بكثير من الإحياط والاسى وهو يتقلب بين القنوات الفضائية، يتحسر من خلاله على زمن مضى، كان فيه الفن الأصيل ثم ولىّ وانقضى، حتى أصبح نادراً، أندر من الكبريت الأحمر.!
وهو شعور يجعلك تهفو للقديم الجميل ،الذي كان يأخذ بتلابيب هذه الروح من كدر الحياة التي شغلت المواطن العربي وذهبت به.
لقد وصلنا إلى حالة تغيُّر في سلّم الأولويات الإنسانيّة، مما أدى إلى تغيُّر في سلّم الأخلاقيات، ثم إلى تغيُّر في سلّم الحاجات الفكريّة والحسيّة والجماليّة. وبذلك ارتبط الفن بالنزوات والهوى، وأصبح الإسفاف من السمات الأساسية للمشهد الفنّي على الساحة العربية، فأصبحت الموسيقا والغناء تُسمع من الأرجل في أفضل حالاتها، أما في أسوأ حالاتها فهي تعبّر عن الانحطاط الخُلُقي قبل الفنّي، وما تردي الأغنية إلا نتيجة لتردي الكلمة المغناة، فأصبح الفن أداة تسويقية. ولكن لمن...!؟ ومن الذي يحتاج لمثل هذه السلعة الرخيصة....؟ ولماذا يحتاجها...؟ ومن هي الأيادي الخفيّة التي تقف وراء هذا التدهور...؟ ولماذا لها كلّ هذه السطوة والتأثير...؟‏
إنها ثورة صارخة بين عشية وضحاها أصبحنا في مواجهتها وتريد العودة بنا إلى حياة ماقبل اكتشاف الملابس حين لايجد المرء شيئاً يستر عورته فيكتفي بأوراق الأشجار يستر بها سؤتيه.
إننا في هذه الاجواء التي تزدحم فيها صور الآداب والذوق العام وقد زويت في زاوية التفسخ،و التي تحتشد فيها معاني الاسفاف والهبوط، فقط في هذا الوقت نتذكر من كانوا عكس هؤلاء والذين عبقوا أجواءنا بالأصالة الفواحة،والذين زفوا لنا الفن حينها تكلل بورود التحضر المعاصرة.
ومع أننا نلاحظ أن هذا الجمهور ذاته لا يزال يقبل على الأغاني القديمة مثلاً»، ولو بصيغها المخففة، مع التحفظ الكثير على هذه المحاولات. هذا الموضوع يقودنا إلى التجريب الذي أصبح مطية لكل جاهل. ونحتاج بكل تأكيد للتجريب الفنّي، ولكن ضمن أصول معترف عليها، ولا أعني بالأصول القواعد، لأن القواعد ليست مقدسة، بل أفكار وتجارب مستندة على أرضية صلبة تكون الثقافة الفنية أهم أركانها.‏
كما نلاحظ في الآونة الأخيرة اتجاه «كبار» الفنانين العرب إلى أساليب التسويق الرخيصة، فأصبحت ثقافة «الفيديو كليب» متأصلة بين الأوساط الفنيّة، وناهيك عمّا يلحق بالفيديو كليب من استعراض رخيص ومبتذل، بحجة حرية التعبير أو حرية الرأي، وأنّ كلّ ممنوع مرغوب.....!!!!‏
ونحن نتذكر ذلك يتراءى لنا في الأفق خيط رفيع مدلى في فنه الأصيل كان له القدح المعلى.
وعند حديثنا عن فيروز كقامة سامقة من قامات الفن فإنه واجب علينا التفريق بين ماتمثله مدرستها وأبناء جيلها ،وبين ماجدوا ستجد في ساحة الفن من أمور دخيلة تطفلت على ذلك الفن الأصيل.
«فجيلنا هذا جيل غدا وأصبح جيلاً بلا ملامح.. جيل مسكين لايستطيع حتى أن يفرق بين الفن بمعناه الراقي الذي يحمل قيم السمو والرقي، الفن الذي يبني داخل الانسان انموذجاً للمشاعر الانسانية الراقية والمقدسة التي تصل إلى حد الاحساس بالحياة والآخرين.
وبين الفن الذي يلغي الانسان من كينونة نفسه التي تصوغه صياغة سوية وهو موضع الرفعة في هذا الانسان، فنجد هذا الفن بدلاً من مخاطبته لهذه الروح العلية نجده يخاطب العوالم السفلية بكل حيوانية مقززة.
وكل ذلك ماترفعت عنه الفنانة فيروز، بل وابتعدت عن كل ماله صلة بذلك حتى البرامج التي لها اهتمام بذلك عافتها،ولم تلتفت إليها رغم الاغراءات وكم كانت الفنانة فيروز على قدر من الذكاء حين رفضت عرضاً تقدمت به الدكتورة/هالة سرحان التي كانت تقدم برنامج السينما والناس، قيمته باهظة كي تحظى بمقابلة مع الفنانة الكبيرة لكنها جوبهت بالرفض من قبلها،و حظيت الفنانة بعد ذلك بافراد قناة الجزيرة لها في برنامج تحت المجهر بحلقة كاملة لها ووقفت القناة الكبيرة مع أهم وأبرز محطات الفنانة الكبيرة في مشوارها الفني،وفي ذلك دلالة وضحة نتبين من خلالها مدى حرص الفنانة على المحافظة على مشوارها الفني نقياً صافياً، ناصعاً أبيض.
كانت تعلم علم اليقين حقيقة هذا المجتمع الشرقي وثقافته وتراثه وبالتالي استطاعت أن تصل إليه من هاتين الزاويتين، لذلك حفظ فنها جميلاً لم يستطع أحد أن ينبس ببنت شفه فيه معترضاً عليه.إن تاريخ وتراث الكبار لاتقطفه إلا أيدي الكبار، حتى يكونوا على قدر المسئولية، وعند مستوى الحدث
وبالمناسبة نحن كمجتمع شرقي،والواقع يشهد بذلك، وكثير شاطرنا الرأي، إننا بحاجة إلى اعادة الروح إلى كثير من معاني الطهر والعفاف ومعاني الستر والحشمة والتمنع ومعاني التبجيل والحياء.
التي بعضها غورت وطمرت وأصبحت بحاجة إلى التنقيب والاستكشاف،وبعضها أصبح في حالة موت سريري مطلوب انعاشها والعناية بها عناية مركزة.
وكل ذلك بسبب آلة الحرب التعهرية الفضائية المرئية التي جعلت من التبذل والتفسخ ثقافة،وجعلت من العهر والتعري حرية،وجعلت من المجون والسفور متعة،و إذا جاء ذكر القيم والأخلاق ومعاني الرقي والسمو، قالوا ذلك مجرد رأي فقط ليس إلا.
فاختلط الحابل بالنابل وانتكست المفاهيم واختلت الموازين،وأصبح عند كثير من الناس انفصام نكد ،نكد على كثير من الناس حياتهم،و البعض مسكين، لايفيق إلا على وقع أخلاقه وقد استقرت في أسفل أودية التفسخ بعدما ظلت تتدحرج في مهاويها، إنه السقوط المدوي الذي ظللنا نسمع عنه حتى وجدناه واقعاً حقيقياً في أيامنا هذه نلمسه ونشاهده وماأجمل الانسان وهو يحمل بين جنبيه روحاً تسمو به في هذه الحياة عن دروب الغواية وتبلد الاحاسيس تجاه الآخرين، فيكون احترام الناس سمة بارزة في ذلك،والأجمل من ذلك حين ينبغ ذلك من المرأة.
ولقد رأينا في فنانة مثل فيروز مثالاً راقياً في احترام الذوق العام،وعدم تعكير الاجواء بما ينافي الاخلاق ومالايتوافق مع طبيعة المجتمع،و الوقوف كثيراً عند التقليد العام للمجتمع العربي الأصيل،وعدم التعدي على مشاعر الآخرين ومؤذاتهم في بيوتهم حين يكونون بمأمن في أخلاقهم وشرفهم وحبهم للقيم والآداب فيسمعون ويشاهدون مالايتكيف مع منظومة القيم السائدة ويواكب رغباتهم الراقية،ويتنافى مع الأخلاق الشرقية، احتراماً واجلالاً لهذا المجتمع الشرقي ذي الأصالة والحضارة والرقي فيما يدعو الله من قيم وأخلاقيات.
فيروز حقيقة كانت وستبقى صوتاً له نكهته الخاصة التي استطابها ويستطيبها كل من له ذوق رفيع،وحدس عال بعكس تلك الاصوات النشاز من شذاذ الآفاق والتي كدرت على الناس ذوقهم العام من خلال ثقافتهم التي لاتتجاوز حدود السرة والركبة.
فيروز فنانة ظلت دائماً وأبداً في الاطار الرفيع جداً،وفي هذا المنحنى يمكن تفسير إبعاد فيروز عن الغناء في المطاعم والحفلات الخاصة،وهو ما أضفى هالة على الفنانة الكبيرة،وجعل صورتها في الاطار ذلك،اطار احترام الآخرين الذي ينبع من احترام الذات أولاً،واحترام الذوق العام ،والانضباط في الحركات،ومراعاة حدود الحرية الشخصية لا التفلت اللامحدود، حتى وإن كان كل ماذكرنا فيه إغضاب لطبقة السياسيين حين تتعارض مطالبهم مع قناعات فيروز،و بعد ذلك لانعجب إذا سمعنا أنه في العام1965م مثلاً، رفضت فيروز أن تغني في حفل أقيم على شرف الرئيس التونسي الراحل بورقيبه، لمناسبة زيارته الشهيرة لبيروت،والسبب في ذلك الرفض يعود إلى أن رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك، شارك حلو، كان قد اتفق مع زوجها على أن يكون الحفل في كازينو لبنان، لكنه قبل الموعد بساعة واحدة، تم ابتلاغ زوجها عاصي الرحباني أنه جرى تغيير المكان، فرفض،وأدت هذه الحادثة إلى اغضاب الرئيس بورقيبه فمنع طوال السنتين من اذاعة أغنيات فيروز في راديو تونس، رغم أن الشعب التونسي من أشد المعجبين بالسيدة فيروز وأغانيها.
وتكررت الحادثة نفسها في العام 1976م عندما كانت فيروز في القاهرة،و صودف انعقاد مؤتمر قمة عربي، فطلب الرئىس اللبناني الراحل إلياس سركيس من المطربة الكبيرة أن تحيي حفلة للملوك والرؤساء العرب في جامعة الدول العربية فجاء الجواب بالرفض.
حتى وهي في بداياتها نسبياً وتحديداً في العام1957م رفضت فيروز أن تغني في القصر الجمهوري في القنطاري، احتفالاً بزيارة شاه ايران، محمد رضا بهلوي لبيروت،وهو رفض بدوره أغضب الرئىس اللبناني كميل شمعون.
وهكذا نجد الفن حينما يغدو له رسالة في الحياة، لانستغرب من حدوث مواقف كبيرة طبقاً لكبر أصحابها وعلو مكانهم.. وعلى ذات الطريق ومن خلال مشوارها الفني نجد الفنانة فيروز لم تتوانى لحظة واحدة في نصرة قضاي أمتها، فلم يلهها الفن عن مواكبة قضايا أمتها بل كانت حاضرة معها لحظة بلحظة ونغمة بنغمة،وكذلك الفن حين تكون رسالته في الحياة واضحة وضوح الشمس في ضحاها أوالقمر إذا تلاها فإن رسالته تكون جميلة ترى طريقها إلى الجمهور مكونة لها قاعدة شعبية عريضة.
أليس للفن العربي جذور فكرية وثقافية أصيلة، أليس للفن العربي مصادره الحضارية بعيداّ عن كل من هو سطحي...؟ وهل الابتعاد عن تلك المصادر هو السبب وراء الواقع الفنّي الذي نعيشه...؟ أم أن تسخير الأيديولوجيا للفن يقف وراء كثير مما نشهده حديثاً من مغالطات، فنيّة في ظاهرها وتبعيّة في باطنها. وأين هم أصحاب الفن العربي الأصيل من كل هذا...؟ أم أنهم أنفسهم ضحية لهذا الواقع..؟‏
فيروز.. صورة من صور الفن الملتزم بالاهداف النبيلة،والغايات السامية،وبصوتها نجدها تشدنا إلى القيم المستقاة من الينابيع الصافية، التي أمدتها سماء المحافظة، فأخصبت خيالها،وغذت روحها وأمدت شعورها، ليست تلك القيم الشوهاء، التي زينت بمساحيق الخداع الكاذب،والتي لم تعد قادرة على اخفاء تجاعيد المجون السافر،والتفسخ الأخلاقي،والانحلال الحيواني، التي حفرت أخاديدها في كيان الأمة،و المروجة لهذا الفساد من قنوات تعهرية، تبث كل ماله صلة بمسخ القيم،وافراغها من محتواها،وسلخ العربي الأصيل من أخلاقه،وتعريته من ذوقه في أبشع صورة،و أخبث طريقة،وماثقافة الفيديو كليب وتقليعة استار أكاديمي النسخة العربية الامثال لذلك،و غيرها من هذه المظاهر حتى غدا وأصبح ذلك معلماً بارزاً تشير إليه البنان، حتى بنان أولئك الذين لهم شيء نسبي من ذلك.
أن مايسمى فناً من أهله في هذه الأيام، قد نسلم بذلك،ولكن لماذا لايسلمون أنفسهم أنه تفنن في ابداء الافخاذ والركب وابداء الرؤوس التي بلا ملامح والمبدلة بقطع الغيار والتفنن أيضاً في ابداء مابين ذلك سواء مابدا من الأمام أوالخلف في أبهى صورة تفسد الذوق العام، وتذهب رائحة القيم السائدة العبقة الفواحة بأريج السمو والتسامي.
حتى أصبحت اعراضنا في بيوتها وخدورها ،وماتحسه من أمن وأمان في مخادعها،وقد افترشت فرش العفاف والحياء،والتحفت أغطية الطهر والستر،وتلفعت برداء التمنع والحشمة،ومع ذلك تجد اعراضنا على فوهة بركان لامناص من الاكتواء بحره،وإذا قدر الله له أن يشتعل نشاطه وأذن لحممه أن تتقاذف حينها لامفر من الاصطلاء بناره.
إن المرء يحار حين يتحدث عن قيمة سامقة من قامات الفن الملتزم الأصيل،وفي المقابل فن شكل صورة مسخة بدون ملامح ،لاتعرف الغايات ولا الاهداف التي يجب أن تكون عليها رسالة الفن، كل ذلك غير موجود.
فأصبحنا نرى التفلت من القيم والدعوة إلى نبذ الأخلاق أصبحنا نرى فوضوية التعري وهوشلية العهر.. أصبحنا نرى عدم الانضباط والانجرار مع سيول التغريب النتنه التي تسلخ الفرد من جلباب الشرف والفضيلة.
أصبحنا نرى محاكاة الغرائز واستثارة الشر من كوامنه.. أصبحنا نرى حرية التخريب تماماً كما كانت عند من أحدث ثقباً في السفينة بحجة أنه أحدثه في حدود مايملكه وإن كان يعلم أن غرقها سيأتي عليه وعلى من رفضوا صنيعه.
وأمام خضم هذا المحيط الممتد،وأمواجه المعتركة،وقفت فيروز من أعماق قلبها تترحم على جيلها وهي تتأمل مد بصرها بيأس واحباط مرير موجات التعري العنيفة ورياح التفسخ الشديدة،و يلوح أمامها سحب سماء ملبدة بغيوم التبرج والاسفاف ،حينها أعلنت حدادها العام أمام هذه الغيوم حتى تنقشع.
والعجيب الذي لم تكن تعلمه فيروز والذي تفاجأت به وأصابها بنوع من الصدمة جعلتها تعيش نوعاً من الأسى على جفاف منابع الفن الصافية، هو أن غيوم التفسخ قد ظللت الاجواء بليل أسود قاتم.. وأفقه لايلوح فيه مايدلل على تبدده.
لقد غدا واقعاً رهيباً يشكل أزمة حقيقية،و ظاهرة تعلن عن نفسها.
فيروز مغنية ليست عادية، إنها صوت الراحة الوحيد وسط الشقاء العربي، قدمته بصورة راقية وحضارية.. عزاء وسلوى وحب وشجن وسط ضجيج عالم لم يكف عن التقاتل بسبب أو من دون سبب، رافقتنا نغمات صوتها من براءة الصبا، إلى قسوة النضج، تغنت معنا بأحلام المجد العربي،وبكت لمدننا الضائعة،وأرواحنا المنكسرة،وفي كل هذا حافظت على صوتها حاراً ومتدفقاً ،وعلى غنائها قوياً وعذباً ،دون أن نقدم أدنى ابتذال أومنظر رخيص، اكتسبت من خلاله احترام الجمهور.
كانت أشبه بشريان للحياة لم تعكره الصراعات العربية ولا الهزائم المتوالية، ظل سامياً وشادياً وسط عالم تسوده الفوضى والعشوائية،و لم تكن في حال من الاحوال جزءاً من هذه المشكلة.. هذه هي قيمة صوت فيروز الحقيقية.
إنها علت بنا وبالأرض التي نعيش عليها حتى تخيلنا أنه يمكن رؤية النجوم في وضح النهار ،أنه سحر الغناء حين يكون له رسالة في الحياة، لاتقدر عليه ساحرة.
وسؤالي للأخ/طلحة :
ماالذي صنعته هيفاء في هذا المضمار الذي دخلت حلبته معلنة الحرب الضروس بصدرها المتمترس بقبتين تحمل خلفها ارطالاً من اللحم كأنها المدمرة«يو،اس ،اس» التي تصرع المفتونين من كل الاتجاهات» وقد تدرعت سواتر تكشفها لعدوها وتمنطقت دروعاً تثقبها نظرات الخصم
والظاهرة الأحدث كانت اتخاذ بعض الموسيقيين الفيديو كليب طريقة لتسويق موسيقاهم «البحتة أو الصرفة»..!‏.. ومما يثير الجدل، الفن الحقيقي لا يحتاج إلى تسويق؛ إذ أنه يشق طريقه إلى الروح مباشرة دون وسيط، ولكن التعامل مع الرخيص كثقافة راهنة، واعتبار التردي والانحطاط هو واقع طبيعي، هو ما يثير الإحباط مع من يحاول النهوض بالفن العربي وإعادته إلى مساره الأصيل مرة أخرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.