تخيّلوا معي أن أحداً أخذ شفرةً وراح يعبث بوجه «الموناليزا» المشهورة؛ وهكذا الحال بالنسبة لنفرٍ ارتضوا أن يخربوا وجه الوطن. وفي كلا الحالتين ثمة خسارة فادحة.. فالذين يمزقون لوحة الموناليزا فكأنما يحرقون الابتسامة المطبوعة على شفاه وجوه العالم، كذلك الحال بالنسبة إلى أولئك الذين ارتضوا أن يرضعوا من لبن الكراهية زاداً للإيغال في كراهية الوطن؛ حيث يذبحون أحلامه ويمزقون السكينة والهدوء في كل ربوعه. كل منهما آثم؛ لأن الإيغال في كراهية الجمال والحب يمثل عقدة نفسية لابد لأصحابها من الذهاب إلى المصحات العقلية، ولابد لهم من أخذ جرعة مضاعفة من الحب حتى يتمكنوا من استعادة العقل والمعقول والاتزان والموضوعية، أما إذا تُركوا على هذه الحال فإن مصيبتهم ستكون أعظم وهول فجيعتهم أفظع!.
ماذا عسانا أن نفعل أو نكتب ونحن نراهم يفطرون على دماء بعضنا، ويسلخون جلودنا، ويمزقون أعضاءنا، ويمتصون سخونة دمائنا، وماذا عسانا أن نقول ونحن نرى الساحة ملطخة بجرائمهم الشنعاء وهم يثأرون من الوطن الذي أنجبهم وكأنهم يثأرون من عدو لدود لهم؟!. .. كيف لهؤلاء أن يُدمنوا الكراهية بدلاً من أن يتعلموا الحب ويزرعوا الورد؟!. .. كيف لهم أن يبادلوا حب الوطن بحمم قذائفهم؟!. .. كيف لهم أن يقتلعوا القرنفل والياسمين ويستبدلوها بأصابع الديناميت؟!. .. كيف لنا أن نصمت وهم يغتالون الابتسامة وإزهاق الأرواح في ليالي رمضان وفي كل حين؟!. .. كيف لهم أن يختاروا الديناميت والدم بدلاً من أغصان الزيتون وروائح الياسمين؟!.
أما آن للوطن أن يرتاح من هذه الشرور ويصحو على قُبلة في الجبين بدلاً من طعنة في الوريد؟!. فإن الذين استمرأوا خربشاتهم لم يعودوا يمتلكون شفرة أسحارهم أو يخفون وراء أجندتهم غير شيء من دخان وبعض السراب.
إن حزناً يُخاتلني وأنا أرى الموت يلاحقنا، وأن الأرض مُكفهرة تلعن كل الذين امتطوا صهوة القتل، واستبدلوا الياسمين بلعلعة الرصاص، وحدائق الزيتون بالخرائب والجماجم.
إنهم ينجزون مهمات شياطينهم على الأرض وإلا لكانوا أحبّوا تُراب الوطن.
لم يعد ثمة وقت للتأمل بين مُدمني القتل وبعض من الناس شاءت أقدارهم أن يكونوا بالقرب من قنابل أعدائهم. هؤلاء الذين استراحوا بُرهة ليعاودوا قنص أزهارنا من الشُرفات، هؤلاء الذين تناسوا أن أرواحنا طليقة في الهواء، وأزهارنا واقفة لن تموت.
لقد حقَّ على هؤلاء الذين يكنون الخصومة للوطن أن يصمتوا برهة، وأن يستعيدوا قصائد عشقنا الأزلي عسى أن تظللهم ذات يوم سحابة في السماء.
إن صمتاً مُطبقاً كالجليد يلف الجبال الواقفة؛ وقد حان لهذا الجليد أن يذوب ويغسل وجه الوطن ويمحو خربشات أبي جهل، وقد حان للوجوه أن تعتليها بسمةٌ حانية.. فليس ثمة مُرتجى غير أن يطلّ الأمل!.