لاشك بأن التشكيك في شرعية اللجنة العليا للانتخابات والمهام المناطة بها نوع من المغالطة السياسية والدعاية الحزبية التي لاتستند إلى دليل مادي بأي حال من الأحوال الدستورية والقانونية المعقولة والمقبولة على الاطلاق ,بقدر مايستدل منه على رغبة مكشوفة وساخرة في التهرب من العملية الانتخابية والبحث عن شرعية وفاقية واتفاقية تخضع التجربة الديمقراطية لمنطق الشمولية القائمة على القسمة على قاعدة (هذا لي وهذا لك) بصورة تتنافى مع الرغبة الحرة للهيئة الشعبية الناخبة باعتبار الأحزاب والتنظيمات السياسية الحاكمة والمعارضة هي صاحبة القول الفعل في التقاسم الشمولي للسلطة كبديل ما أنزل الله به من سلطان لمبدأ (التداول السلمي للسلطة) يستبدل الشرعية الانتخابية الشعبية الحرة والنزيهة والشفافة المعتمدة في العالم بأسره بالشرعية الدكتاتورية الحزبية الأقرب إلى منطق الشرعية الثورية منه إلى منطق الشرعية الدستورية. أقول ذلك وأقصد به أن ما أظهرته بعض القيادات الحزبية المعارضة من مبررات واهية للاستقواء بها في تأجيل العملية الانتخابية إلى أجل غير مسمى يدل فقط على عدم الجدية في الحوارات السياسية الهادفة إلى تحقيق ما تطالب به صاحب الأغلبية من الإصلاحات السياسية والانتخابية وإعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات حسب النقاط الثلاث المتفق عليها في اتفاق فبراير الذي اسفر عن التمديد لمجلس النواب الحالي سنتين إلى الأمام كبديل لاجراء الانتخابات البرلمانية السابقة في موعدها السابق ,في سابقة غير معمول بها في كافة الديمقراطيات الناشئة والناضجة على حد سواء، إذا علمنا أن المعارضة هي صاحبة المصلحة الحقيقية في إجراء الانتخابات المبكرة أو في مواعيدها الزمنية على الأقل دون حاجة إلى الدخول في مجادلات سياسية ودعائية تتخذ من الحوار كلمة حق لتمريد ماتخفيه من باطل يستبدل الانتخابات في عملية تمديد وتأجيل لايستفيد منها سوى صاحب الأغلبية كأسلوب تكتيكي لايتوقف إلا هناك حيث يزج البلد في الدوامة الفوضوية العنيفة للفراغ الدستوري ومعنى ذلك أن عدم الدخول الفوري في الحوار حول ما اتفق عليه من قضايا حوارية والانشغال بالتهيئة والاعداد إلى مالا نهاية لاينتج عنه سوى المزيد من تفاقم المشكلات الجديدة نتاج تعمد اهدار الوقت والجهد في متاهات ومطالب حوارية جانبية وهامشية وغير مفيدة لاينتج عنها سوى إضافة مشاكل إلى مشاكل ومعاناة إلى معاناة ضمن مخطط له ظاهر وباطن ليس له سوى معنى واحد وهو الاستسلام لما لدى هذه الأحزاب والتنظيمات السياسية غير المؤمنة بالعملية الديمقراطية وبالشرعية الانتخابية بحكم مالديها من مخاوف ناتجة عن شعورها بعدم الثقة بما لديها من قدرات تنافسية.. إما لأنها لاتثق بالهيئة الناخبة وإما لأنها لا تؤمن بالشرعية الانتخابية والأساليب السلمية كبديل وحيد للتداول السلمي للسلطة في أي منافسة انتخابية حرة ونزيهة.. وفي الحالتين معاً فهم يتعمدون وتسطيح الأمور وإساءة تفسير النصوص القانونية وتطويعها لما لديهم من الحسابات والمخاوف السياسية والحزبية الضيقة وغير المعقولة وغير المقبولة من كل القوى الديمقراطية التي تجمع على اجراء الانتخابات في مواعيدها الزمنية دون حاجة إلى مخالفة الدستور في التمديد لمرة ثانية.. وفي ظروف لم تصل فيه الأوضاع العامة إلى المستوى الذي أجاز فيه الشرع اللجوء إلى هذا النوع من التمديد.. لذلك نجدهم يتعمدون تأجيل التعديلات الدستورية والقانونية وتأجيل إعادة تشكيل اللجنة العليا للانتخابات إلى مواعيد غير معلومة بهدف التشكيك في شرعية ماهو قائم من الهيئات والمؤسسات الدستورية المستندة إلى شرعية دستورية وقانونية وانتخابية.. مدركين بوعي وعمد مع سبق الإصرار والترصد أن التشكيك في شرعية اللجنة وعدم الاستعداد للدخول في حوارات فورية هو في ابعاده السياسية والقانونية تشكيك في شرعية النظام السياسي بأكمله بداية من السلطة التشريعية المنتخبة التي اناط بها القانون مسئولية ترشيح خمس عشرة شخصية لرئيس الجمهورية ومروراً بالسلطة التنفيذية المنتخبة التي كانت في تعيين العدد المطلوب من أعضاء اللجنة ونهاية في التشكيك بشرعية السلطة القضائية المعنية بالفصل في هذه النزاعات.. إنهم يشككون في النظام السياسي برمته ويستبدلون مؤسساته الدستورية بلجنتهم الحوارية والحزبية التي لاتستند إلى مرجعية دستورية وقانونية ملزمة لصاحب الأغلبية وكأنها تمتلك الحلول السحرية لكل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية وغيرها من التحديات التي يعاني منها الوطن والشعب. نعم إن إحلال لجنة الحوار الوطني محل المؤسسات والسلطات الدستورية للدولة الديمقراطية ومحل الهيئة الشعبية الناخبة عمل غير ديمقراطي، اللا معقول واللامقبول فيه أكثر من المعقول والمقبول، ينسب لنفسه مالا طاقة له بتحقيقه من المعالجات الممكنة والمتاحة التي تحتاج إلى الوحدة الوطنية وتحتاج إلى المزيد من الاحتكام للشرعية الانتخابية في بناء الآليات والمؤسسات والسلطات والهيئات الدستورية للدولة القادرة على تطبيق سيادة القانون وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وترسيخ قاعدة المواطنة المتساوية في الحقوق والواجبات بين جميع أبناء الشعب اليمني.. ولايمكن لأي كان أن يعتقد أن بمقدوره استغلال المعاناة للانتصار لما لديه من اجندات وتطبيق مالديه من الحسابات الانتهازية الخاطئة بالاستفادة من ضعف أو من إضعاف الدولة والانتقاص مما لديها من الهيبة والقدسية بعد أن أكدت كل التجارب أن الدولة الديمقراطية القوية والمهابة أفضل مئات وربما آلاف الآف من الدولة الضعيفة والعديمة القوة والهيبة التي لاينتج عنها سوى المزيد من الفوضى والضعف والانهيار وما يترتب عليه من الخراب والدمار الذي يتضرر منه الجميع ولايستفيد منه أحد قط.. كيف لا ونحن نلاحظ عبر ما يصدر من بعض القيادات الحزبية والسياسية من حركة استهبال وعملية استغفال في مغالطات ومناورات غير ديمقراطية يشيب من هولها الأطفال مابرحوا يغلفونها بحرص كاذب وزائف على أمن الوطن واستقراره ووحدة أراضيه في تحميل الحوار الوطني أكثر مما يحتمله من مطالب مستحيلة وكأنهم يهدمون ماهو قائم من المكاسب والمنجزات ذات الصلة بالمؤسسات والسلطات والهيئات الدستورية للدولة الوليدة , بما لايمكن أن يكون من الرغبات والأمنيات الخالية التي تعد الشعب بما لاقدرة على تحقيقه من الطموحات والتطلعات الأقرب إلى السراب والخيال منها إلى الممكنات الواقعية الواعدة. حقاً لقد أصبحت مثل هذه البيانات والتصريحات والخطابات السياسية والدعائية اللامسئولة بمثابة سموم سياسية ولا ديمقراطية تتخذ من كلمة حوار مبرراً لممارسة العدوان على كافة المؤسسات والسلطات والهيئات والمرجعيات والمقدسات الدستورية والقانونية بحثاً عما لدى البعض من الرغبات والأهواء التي لاتقل فوضوية عما يقوم به المتهمون علناً بالخروج عن الدستور والقانون وكأنهم يتعمدون إضافة مشكلة سادسة لما يعانيه الشعب اليمني من المشكلات الخمس المتمثلة بالقاعدة والحراك الانفصالي والتمرد الحوثي والأزمة الاقتصادية والفساد المالي والإداري .. ولكن تحت مبرر الحوار الوطني العديم البداية الجادة والعديم النهاية المثمرة والموجبة للتضحية في ظاهره الرحمة وفي باطنه العذاب الباحث عن السلطة والثروة بأساليب ووسائل انتهازية لاترتقي شرفاً إلى مستوى نبل الغايات الوطنية الديمقراطية القائمة على التعددية السياسية والحزبية والتداول السلمي للسلطة وحرية الصحافة والتجارة وآلية السوق وحقوق الإنسان المعمول بها في كافة التجارب الديمقراطية الناشئة والناضجة. اخلص من ذلك إلى القول بأن شرعية اللجنة جزء لايتجزأ من شرعية الهيئات والمؤسسات والسلطات الدستورية للدولة وان التشكيك في شرعيتها والتهرب من العملية الانتخابية في موعدها لايتفق مع المبررات والاتفاقات المعلنة للنقاط الحوارية الهادفة إلى الإصلاح.