لا أتصور أن هنالك أمة في العالم تتخلّى طواعية عن لغتها كما يحدث في بلدان العرب المخطوفة بالتماهي السلبي مع الآخر الإنساني، والتباعد الإجرائي عن مرابع اللغة الأم، كما لو أنها وصمة عار في جبين أهلها.. والحاصل هو أن جملة التداعيات والاستيهامات “التربوية“ في بلداننا تستحق وقفة تفصيلية للتعرف على تهافت الآراء القائلة إن العربية قاصرة عن أن تواكب العصر، وأن تُعتمد كلغة علم ودراسة في المعاهد والجامعات، وأنها لغة صعبة غير قابلة للتطويع المعرفي، وأنها ليست في مثابة الانجليزية والفرنسية. ويصل البعض في الشطط إلى حد تجيير تخلُّف العرب على لغتهم، وكأن العربية التي سادت العالم ذات يوم باهر من الحضارة لم تكن عربية!!. هؤلاء لا يعرفون أن علماء أوروبا في القرون الوسطى كانوا يعتدّون بالعربية، ويعتبرون من لا يعرفها قاصراً وغير مواكب للعلم.. والحقيقة أن أغلب أساطين العلم المسطور باللغة العربية لم يكونوا عرباً بالمعنى العرقي، بل كانوا عرباً بثقافتهم ولغتهم المكتوبة، الأمر الذي يتطلب منا تعريب العروبة، بإخراجها من دائرة “الأعراب الأقحاح“ المتخلّفين، ممن يعبدون “الغوييم“ ويسخرون من ثقافتهم الخاصة!!. الذين يقولون بعجز العربية عن مواكبة العلوم لم يجيبوا عن سؤال بدهي يتعلق بكل لغات الكون الحاملة للمعارف والعلوم؛ تتساوى في ذلك الانجليزية والصينية والفرنسية والروسية والألمانية مع الاسبانية، وصولاً إلى الكورية واليابانية، وغيرها من لغات خلق الله المنتشرين في كل أرجاء الكون.. هؤلاء ليس بوسعهم الإجابة أيضاً عن معنى اعتماد كل بلدان العالم اللغة المكتوبة والمنطوقة لديهم، حتى وإن كانت لغة معزولة ومنحصرة في بضع ملايين من البشر كما هو الحال في البولندية والبرتغالية والرومانية والمجرية، وعلى سبيل المثال لا الحصر. [email protected]