الثامن عشر من ديسمبر من كل عام هذا هو اليوم العالمي الذي أقرته الأممالمتحدة للغة العربية ، وكان هذا الإقرار في عام 2009م .. أنا حقيقة لا أعرف لماذا بالتحديد يوم 18 ديسمبر؟ وما علاقته باللغة العربية ؟ على كل حال إنه مجرد يوم، المهم الاحتفال والاحتفاء بهذه اللغة العظيمة لغة القرآن الكريم إلى جانب أنها لغة أكثر من 420 مليون شخص يتحدثون بها سواء كانوا عرباً أم غير ذلك .. اللغة العربية يسميها أبو الفتح عثمان بن جني – صاحب كتاب الخصائص- اللغة المقدسة ويتابع على خطاه الدكتور/ أحمد الكبيسي العالم اللغوي المعروف الذي أطل على قناة دبي الفضائية ببرنامجه اللغوي “الكلمة وأخواتها في القرآن الكريم” في أكثر من مائة حلقة عازفاً على وتر منْ قال من مفسرينا بعدم الترادف في القرآن الكريم ، فكان في كل حلقة يأتي بمنظومة من ألفاظ مترادفة مبيناً الفروق اللغوية الدقيقة فيما بينها مسقطاً ذلك على آيات القران الكريم . أما عالمنا الراحل / عباس محمود العقاد فيسميها – أي اللغة العربية- اللغة الشاعرة – لا علاقة للمصطلح بالشعر – لكنه يدور حول موسيقى وإيقاع واشتقاق الألفاظ العربية وطريقة صياغتها وتراكيبها المختلفة .. وما هؤلاء الأفذاذ إلا قطرة في بحر جمهرة علمائنا الأوائل والأواخر على حد سواء ممنْ خاضوا في البحث والتنقيب عن أسرار هذه اللغة العظيمة ابتداءً من ابن قتيبة صاحب مجاز القرآن وليس انتهاءً بالدكتور/ فاضل السامرائي العالِم اللغوي المعروف الذي أطل على قناة الشارقة الفضائية ببرنامجه اللغوي البلاغي “لمسات بيانية”، مروراً بعلماء المدارس النحوية واللغوية في البصرة والكوفة ومصر والمغرب والأندلس وغيرها ممنْ تحفظهم ذاكرة التاريخ من أمثال الخليل بن أحمد الفراهيدي وسيبويه وعبدالقاهر الجرجاني والكسائي والأخفش والفرّاء والباقلاني وتمام حسان وشوقي ضيف وغيرهم الكثير الكثير فالعرب قاطبة لم يكن شغلهم الشاغل منذ الجاهلية إلا اللغة وآدابها وعلومها ولمّا نزل القرآن الكريم باللسان العربي عمّق هذا (الشغل) فأصبح احترافاً سار على نهجه العلماء جيلاً بعد جيل حتى زماننا المعاصر . لكن ما حالنا اليوم مع لغتنا القومية ؟ لندع جانباً احتفاء الأممالمتحدة ،ما هو احتفالنا نحن – أهل اللغة- بهذه اللغة ؟ خصوصاً في زمان طغت لغة الصورة أو(الملتيميديا ) على كل مقروء ؟ لقيت لغتنا إهمالاً منا منقطع النظير لو قارناه مع غيرنا بالنسبة إلى لغتهم القومية ، فلو تلفتنا حولنا لوجدنا العالم يدرّس العلوم الحديثة بلغته القومية وخير مثال على ذلك اليابان والصين وغيرها في حين نصرّ أن ندرّس العلوم الحديثة باللغات الأجنبية كالانجليزية أو الفرنسية ..فلماذا ؟ سيقول قائل لأن هذه اللغات هي لغات العلم في العالم اليوم وإذا أردنا العلوم فيجب أن ندرّس بها ..أقول لا ضير من ذلك مع المواكبة بلغتنا القومية وذلك بتطويعها عن طريق الترجمة والتعريب لضخ دماء جديدة في أوصال هذه اللغة المستوعبة .. ويجب أن نعلم أنه لولا أن القرآن الكريم لغته هي العربية لتفككت هذه الأخيرة إلى عدة لغات متعددة. إن لدينا مجامعاً لغوية عريقة في مصر والعراق وسوريا قامت بأدوار تُحمد عليها في مجال التعريب لكل مصطلح وافد من الشرق أو الغرب ، لكن هذه الجهود لوحدها لا تكفي في ظل انصراف إعلامنا العربي عن استخدام اللغة الفصحى في مواده التي يبثها للناس وإصراره على تغليب اللهجات المحلية في هذه المواد وما المسلسلات التركية المدبلجة أخيراً إلا نموذج مستهجن لذلك … أما الأخطاء اللغوية والتفلّت من القواعد النحوية في إعلامنا المقروء والمسموع والمرئي فنموذج آخر .. إن اللغة أحد أركان الهوية لهذه الأمة وبدون المحافظة على بقاء ونقاء هذه اللغة تُثلم هوية الأمة فتصبح شذر مذر في زمان طغى فيه طوفان العولمة طامساً لكل الهويات ،كل هذا يدفعنا إلى أن نتمسك بهويتنا الحقيقية حتى لا نصبح هنوداً حمر ذات يوم.. رابط المقال على الفيس بوك