من المفترض أنه في حضرة الحوار أو فيما يسبقه من إعدادات وتهيئة مناخات مناسبة لإنجاحه أن تلتزم كل الأطراف بآداب الحوار, ومن تلك الآداب التهدئة الإعلامية والتخلي عن التصريحات التي تعكر صفو الأجواء كبادرة حُسن نية تجاه الأطراف الأخرى وتجاه البلد الذي سيتأثر بشكل أو بآخر بتلك التصريحات والبيانات التي تشحن الأجواء بالتوتر وبالأفعال وردود الأفعال.من أساسيات العمل السياسي أن يدرك الذين يريدون خوض معترك السياسة ماهية الحوار، ومن أجل ماذا نتحاور، وماالذي نأمل تفاديه من خلال هذا الحوار؟ إذا كنا لاندرك كل هذه القضايا فلا داعي لأن يرتدي من لايدرك عباءة السياسة، ويخوض هذا المعترك الذي لايقبل بمن لايفهم. تصريح واحد لايلتزم أصحابه بالمسؤولية سيعيدنا إلى نقطة الصفر ومن ثم إلى مرحلة البحث عن مخارج للركود الحاصل في ميدان الأزمة التي كان أساسها ولم يزل العناد والمكابرة والتصريحات التي لاتلتزم أدباً ولاتحكمها مسئولية.. لايمكن فهم التصريحات والبيانات النارية في هذه المرحلة بالذات إلا كونها محاولات لضرب نوايا الحوار وتدمير ماتم الاتفاق عليه, وفي كل الأحوال يكون القصد هو توتير الأجواء وتأزيم الأوضاع التي قلنا ونقول إنها صارت سيئة بسبب الذين لايسعدهم الهدوء ولاتسعدهم الحلول. كل الأطراف تُجمع بأن أهم أسباب خراب الحوار هو عدم التزام البعض أو الكل بالهدوء والكف عن الزوبعات الإعلامية, ومع كل ذلك يطل البعض من خلال وسائل الإعلام المختلفة بقصد واضح لنسف كل مقومات إجراء حوار جاد ومسئول يتجاوز القضايا الشخصية والحسابات الفردية الخاصة والأعمال الطائشة ليجري الحديث عن قضايا وطنية تهم الجميع وتزيح أشباح الأزمات التي تلوح في آفاق البلد وفي المستقبل عاجلاً وآجلاً. يجب على الجميع من الذين تقع على كاهلهم مسئولية إنجاح الحوار أن يكبحوا جماح الرغبة في الظهور الإعلامي كأبطال قوميين ووطنيين من خلال طرح قضايا لاينبغي طرحها على الأقل في الوقت الراهن من أجل خاطر عيون الحوار والبلد, وطالما أن هناك ميداناً لطرح قضايا الحوار أمام كل الأطراف لمناقشتها والتوافق بشأنها, فما جدوى العنتريات على الشاشات، وعلى صفحات الجرائد والمجلات الداخلية والخارجية؟ الحوار هو استعداد نفسي أولاً قبل كل شيء فإذا توجهنا نحو الحرب النفسية من الآن فلن نتحاور ولن نغلق باباً لمشكلة أو أزمة, وعلى أطراف الحوار العقلاء في كل جانب أن يعظوا المجانين ويطلبوا منهم الكف عن زراعة الخراب ونسف التقارب وتعقيد الأمور أكثر من اللازم من باب أن الفشل الذي يقود إلى الخراب سوف تكون نتائجه وخيمة على الجميع ولن يسلم منها حتى«غربان البين» و«بوم الشؤم» وهي تنعق ليل نهار بالفوضى والخراب وترجو انسداد الآفاق لتستمر في مزاولة مهنتها وهوايتها في تأزيم الأوضاع وإثارة المشكلات وخلق بيئات مناسبة تعيش فيها، فالأماكن الخربة هي بيئتها المناسبة للحياة والانتفاع وكل مايحدث الآن يصبّ في هذا الاتجاه، والقصد واضح.