مرّت الذكرى الأربعون لرحيل الرئيس جمال عبدالناصر، أشهر رئيس عربي في القرن العشرين على مستوى العالم، إن لم يكن حاز على الشهرة في الأوساط الغربية والدوائر الصهيونية التي كانت تدرس كل كلمة يلقيها في خطاباته الوطنية وتصريحاته المدوية وبأسلوبه وبلاغته وصوته المميز.. إن أربعين سنة على رحيل الرئيس جمال عبدالناصر بصورة مفاجئة في شهر سبتمبر عام 70 وفي وقت كان مليئاً بالفواجع والمخاطر عقب نكسة يونيو حزيران عام 67 والحرب بين الفلسطينيين والجيش الأردني في السابع عشر من نفس الشهر، وكانت كما يؤكد الأطباء أهم سبب في تدهور صحة الرئيس جمال الذي عمل على إخمادها على مدار الساعة حارماً مانفسه من الراحة والنوم القليل.. وهذه الذكرى الحزينة كلما أحياها المصريون والعرب عموماً كلما تأكد لنا أن مكانة هذا الرئيس لم يبلغها ولن يبلغها أحد غيره مهما تقوّل عليه البعض الذين فشلوا من قبل في تغيير حب المصريين له، كما ظهر في بعض الكتابات الصحفية والمؤلفات واللقاءات التي كان من بينها ماأورده أحد قادة الانفصال في سوريا وجاء بمعلومات عن الرئيس عبدالناصر استهجنها كل الذين عرفوا تلك الفترة الناصرية بكل تفاصيلها وأحداثها.. فالهزيمة أو النكسة لم تنل من شعبية الرئيس عبدالناصر أبداً، بدليل خروج الجماهير المصرية إلى شوارع القاهرة والاسكندرية للمطالبة بعدوله عن الاستقالة عقب احتلال اسرائيل لسيناء وقناة السويس وتدمير سلاح الجو المصري وهو رابض وقتل وأسر عشرات الآلاف من المصريين وأيضاً احتلال الضفة الغربية لنهر الأردن ومرتفعات الجولان السورية, فقد بكى المصريون والعرب ومنهم اليمنيون الذين لم ينكروا فضل جمال عبدالناصر وجيشه وشعبه عليهم في دعم الثورة والمحافظة على النظام الجمهوري بوجه أعداء الحياة والحرية الذين حاصروا صنعاء عدة مرات قبل حصار السبعين يوماً الذي كسر على أيدي الأبطال من القوات المسلحة والأمن والقوات الشعبية.. فقد تصوّر الأعداء أن حرب 67 الاسرائيلية على مصر بالتحديد والتي أدت إلى سحب القوات المصرية من اليمن سيمكنهم من احتلال صنعاء وإعادة النظام الإمامي ولكنهم ضربوا ضربة قاضية أجبرت القوى التي كانت تحارب إلى جانب الملكيين بشكل أو بآخر إلى الاعتراف باستحالة تغيير الواقع لما رأوا من وحدة الصف بين اليمنيين كافة وشجاعة وفدائية المدافعين عن صنعاء بما فيهم رجال الدولة في ذلك الوقت.. ولكن نزاهة وعروبية جمال عبدالناصر في هذا التجدد بالوعي العربي والاحترام الذي يكنه أعداؤه السابقون واللاحقون له إلى اليوم، لأنه احترم نفسه ولم ينشغل إلا بما يرفع مكانة أبناء شعبه في كل مجال وتحريرهم من الظلم الذي مارسه ضدهم الاحتلال الانجلو فرنسي والنظام الملكي، فكان خير من يجدد مابدأه أحمد عرابي وسعد زغلول وغيرهما من الزعماء الذين قادوا الجماهير ممثلة برموز البلاد من عسكريين ومدنيين وفلاحين لمقارعة الاحتلال والعملاء.. فيكفي عبدالناصر فخراً أنه عمل على إخراج المحتلين وممثليهم من عدة أقطار عربية وأفريقية وحقق شعبية غير مسبوقة في أرجاء المعمورة وأنه تصدى لمؤامراتهم ودسائسهم حتى توفاه الله في الثامن والعشرين من سبتمبر عام 70 بصفحة بيضاء ناصعة لم ينلها غيره من قبل.