التحولات العظيمة في حياة الشعوب يصنعها- فقط- أهلها الحقيقيون، وليس هؤلاء إلا الشعوب نفسها التي جَبُلَتْ على الإرادة والعزيمة التي لا تلين، رغم كل ما تتعرض له من نكبات تعصف في كثير من الأحيان بكل شيء فيها ماعدا إرادتها التي تتوالد فيها جيلاً بعد جيل..وتظل -أي الشعوب- هي صاحبة المصلحة الحقيقية لكل ما ينتج من ثمرات تؤتي أكلها كل حين..وهذا ما يجعل التاريخ يقف بإحلال وإكبار أمام تلك الشعوب وتحولاتها العظيمة, وهو يرصدها سِفراً من نضالات الأمم على طريق بناء حياتها البناء الحر و الكريم والمستقبل فكراً وسلوكاً, وعلى أسس من الثوابت الدينية والوطنية والدستورية التي لا تقبل المزايدة وتأبى الاستسلام للأفكار الشاذة التي يجتهد أصحابها على تفعيلها لخدمة المصالح الضيقة على حساب المصلحة العامة لشعوبهم...نخلص من هذا إلى أننا في بلادنا (اليمن) التي صنع شعبنا أشعة أيامها الوطنية الخالدة(26سبتمبر- 14 أكتوبر-30نوفمبر- 22مايو...) لتصبح عناوين بارزة لتحولات عظيمة في حياة وطننا المعاصر..إنما صنعت ذلك بإرادة شعبية جمعية, وعزيمة أمة مخلصة تعشق الحرية والوحدة والتطلع الدائم إلى آفاق المستقبل المزدهر..وهي الإرادة التي تقف وراء كل انتصار تحققه (اليمن كوطن وشعب) ولم تجعل من بلادنا في يوم من الأيام تضعف أو تستسلم لنزوات فرد أو جماعة أو حزب, يحاول عبثاً السيطرة على حياة الشعب والتحكم في تقرير مصيره, والإساءة إلى كل ما تحقق للوطن على امتداد نضالات أبنائه الشرفاء, وتخديش صورته المتحضرة للعودة به إلى ال(ماقبل) من حياة عفى عليها الزمن, وتمزق كهنوتها الإمامي, وزمرتها التشطيرية, وكل أفكارهم السوداء الحاقدة.. تمزقت في أفقنا اليمني الموحد, وذهبت لتبقى هذه الإرادة اليمانية الشعبية القوة التي تحمي البلاد والعباد من كل شرور وفيروسات الأعداء التي تستعذب العيش في مستنقعات الخيانة والارتزاق, ولا يحلو لها الوطن إلا مليئاً بالفتن والفوضى, وهذه هي النفوس المريضة..ولكن!!هل نستطيع بأكفنا أن نحجب أضواء شمس النهار؟. إن الثورة ونظامنا الجمهوري الدستوري الديمقراطي القائم على أساس من شرع الله ومنهاجه وهدي رسولنا الكريم وقوانيننا النافذة, وإن الوحدة اليمنية ومنجزاتها التنموية والحياتية عامة, كل ذلك وغيره الكثير من صناعة الإرادة الشعبية اليمنية, وكلها تخدم مصلحة الشعب العليا والوطن..وإن الالتفاف حول بعض هؤلاء من ضعاف النفوس أو حتى محاولة الالتفاف, إنما هو خيانة كبرى للشعب وإنجازاته العظيمة على امتداد تاريخ وطننا المعاصر.. صحيح أن المناخ العام الذي تعيشه بلادنا أعطى مساحة سياسية كبرى للرأي والرأي الآخر والتعددية السياسية و...و...الخ ولكن في إطار الثوابت التي صنعتها الإرادة الشعبية, ويقف الشعب كله خلفها حارساً أميناً لأنها جزء منه وقدره ومصيره وخياره الذي لا رجعة عنه, وقد كُتب بالدم على هام الوطن..فهل من حق أي شخص أوجهة أو حزب أن يجعل من نفسه وصياً على الشعب أو يعطي نفسه الحق في هدم البنيان العظيم لنضالات الشعب وكفاحه حتى صنع حياته المعاصرة؟ بمعنى: ماذا يظن نفسه (أو يظنون أنفسهم) ذلك الذي يعتبر نظامنا الجمهوري ودستورنا وقوانيننا النافذة على هواه يقبل بها متى وجد في قبولها خدمة لمصالحه ويرفضها متى وجد أنها تعارض تلك المصلحة؟ فنظامنا الجمهوري الديمقراطي ودستورنا وقوانيننا النافذة تفرض على الجميع احترام حياة الشعب وسيادة الوطن, وذلك من خلال الالتزام بإجراء الانتخابات النيابية القادمة في وقتها المحدد, وحفاظاً على صورتنا الديمقراطية التي رسمتها الإرادة الشعبية لدى العالم أجمع, وحتى لا يدخل الوطن في فراغ دستوري, وتصبح أيامنا مرتعاً لكل المتربصين ..لكن عندما نجد بعض الأفراد أو ألأحزاب وللأسف الشديد يتنصلون عن هذا الالتزام الوطني الشريف ويحاولون التنكر له, بل والمناداة بتأخير الانتخابات لأسباب واهية فليس من معنى لهذا السلوك سوى الخراب الفكري والوطني الذي يملأ تلك الكيانات ولا تستطيع مغادرته ..وليذهب الوطن والشعب إلى الجحيم, وهذا ما يذكرني باختلاف حصل بين اثنين من إخواننا الإسلاميين بتحفيظ القرآن الكريم لمجموعة من الأطفال في مسجد الحارة..اختلفا حول المجموعة هذا يريد الحلقة له وذاك يريد المثل ولم يقبلا بأية حلول وسطية أخرى لدرجة أن وصل الحال بأحدهما أن قال: إما أن أقوم أنا بالتحفيظ وإما تلغى العملية حتى لو وإن أغلق المسجد..لاحظوا معي هذه الرؤيا الذاتية المريضة التي لا تحترم إرادة الواجب الديني والمجتمعي فقط تجهد نفسها لمصلحة ضيقة, هذه الحادثة أراها الآن تتجسد في الرؤيا القاصرة التي ترى أنه لا انتخابات برلمانية حتى تنتهي عملية الحوار ..ويقصد أصحاب الرؤيا الإجهاز على كل منجز دستوري, قانوني, ديمقراطي عن طريق(الحوار) الذي سوف يصبح الأداة الفاعلة لهدم كل شيء, وكأن هذه الرؤية وأصحابها يعيشون خارج ذاكرة الوعي ومنطق العقل الرشيد والسؤال هو: وإذا لم ينجح الحوار هل معنى هذا أنه يصبح من الحق لهذا الرؤية ألا تلغي الانتخابات فقط بل وتتعداها إلى إلغاء ما تريد من مكاسب الشعب الأخرى وإنجازاته العظيمة ديمقراطياً وتنموياً ...الخ أليست تلك هي المهزلة بأم عينها؟ ولماذا كل هذا يا من شغلتم الوطن بالادعاء بحبكم له ولجماهيره العريقة؟ هل من مصلحة الشعب الفراغ الدستوري الذي تريدون الوصول إليه؟ وهل من حقكم تقرير ذلك دون الرجوع إلى الشعب صاحب المصلحة العليا, والذي بيده حق تقرير المصير؟. وحسرتاه وقد سقطت عن الوجوه الأقنعة, وليست تخاريف الدكتور عنا ببعيدة...فليكن الحوار وسيلة لا غاية...ولتكن إرادة الشعب قوة دافعة لنا لتحقيق المزيد على درب المستقبل, أما إلغاء هذه الإرادة وتمثيل دور الأوصياء عليها, فمعناه الرجوع بالوطن إلى ما كان عليه في العصر المظلم والظالم الجاهل والمريض والقابع تحت الاحتلال البغيض..فأيهما الذي يخدم الوطن والشعب أيها الوطنيون أو هكذا تدعون أن تقوم الانتخابات البرلمانية في موعدها, ويحفظ وجه الوطن الديمقراطي لنمضي إلى الأمام؟ أم تتأخر وقد لا تكون أبداً ويدخل الشعب والوطن في فوضى الفراغ الدستوري النيابي...الخ فنعود بالوطن إلى الوراء؟ ماذا يريد المنادون بتأخر الانتخابات عن موعدها في أبريل القادم؟ أقول: سابقاً كان البعض يريد وأد الثورة وما تحقق له ذلك وسابقاً كان البعض يريد وأد الوحدة اليمنية وما تحقق له ذلك, والآن يريد البعض وأد الديمقراطية والدستور ولن يتحقق لهم ذلك, لأن الإرادة الشعبية تستمد قوتها من إيمانها بإرادة الله...