لا يُهمنا ماذا تريد السلطة ممثلة بالحزب الحاكم "المؤتمر الشعبي العام وحلفائه في أحزاب التجمع الوطني للمعارضة" كما لا يهمنا ماذا تريد المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك.. ولكن الشيء الأهم الذي نقف جميعاً إجلالاً وإكباراً له ويستحوذ على كل اهتماماتنا هو «ماذا يريد الشعب؟ وماذا يريد الوطن؟» في ظل هذا المعترك السياسي الانتخابي الذي بدأت تدق طبوله على ساحتنا اليمنية..؟. في الحقيقة إن ما يريده شعبنا ليس بالأمر الجديد، فإرادته الشعبية دوماً هي «تحقيق المصلحة العليا للوطن وجعلها فوق كل اعتبار» وهي نفسها إرادة الوطن، فالوطن والشعب إذن هما وجهان لإرادة واحدة هي إرادة اليمن أرضاً وإنساناً وتاريخ حياة وهذا ما عرفناه في شعبنا ووطننا منذ بداية التكوين.. وطن لا يقبل الغزاة وشعب يأبى الضيم ويعشق العيش بحرية وكرامة على تراب أرضه ولا يقبل الأوصياء.. من دمه يروي ترابات أمجاده العظيمة ومن إرثه الحضاري الكبير يصنع الأمجاد على امتداد العصور.. وكلاهما الشعب والوطن عنوانا انتصار عظيم اسمه «اليمن». أعود فأقول: إننا الآن في ظل المعترك السياسي الانتخابي القائم نؤكد أن ما يريده الشعب واضح جداً وليس فيه أي غموض وعلى المدى المستمر تتجدد تلك الإرادة بتجدد الأجيال واتساع وتوحد الوطن.. وببساطة واختصار دعونا نقف قليلاً بعيداً عن الإرادة الفردية أو الحزبية الضيقة وقريباً من إرادة الشعب اليماني الأصيل. شعبنا اليمني ومنذ قديم الأزل وحتى يومنا هذا يريد أن يحيا حياته حراً كريماً وبذل في سبيل ذلك أغلى التضحيات ومازال كذلك وسوف يبقى وكان له ما أراد.. وأمام هذه الإرادة الشعبية فشل كل من أراد للشعب الهوان.. وشعبنا اليمني أراد التحرر من الاستبداد والظلم الإمامي البغيض ومن قهر الاحتلال الأجنبي، وكان له ما أراد وليست ثورة ال26 من سبتمبر 62م وال 14 من أكتوبر وال30 من نوفمبر 67م إلا ترجمة لتلك الإرادة الشعبية التحررية العظيمة، ومن أرادوا ومازالوا يريدون للشعب الرجوع إلى ظلمات الحكم الإمامي المستبد أو إلى أحضان الاستعمار وجبروته فشلوا فشلاً ذريعاً وإلى الآن مازالوا يتلقنون الدرس تلو الآخر من قبل الشعب الأبي في الفداء والدفاع عن الثورة والجمهورية والنظام الدستوري المتحرر.. شعبنا اليمني أراد إعادة تحقيق وحدته الوطنية والقضاء على كل مظاهر التشطير القائمة، وكان له ما أراد، حيث حقق الوحدة اليمنية المباركة في ال22 من مايو 90م وبذل في سبيل ذلك المنجز الوحدوي العظيم، ومازال يبذل الكثير من التضحيات الجسيمة.. "وكل من حاولوا القضاء على وحدة الشعب ووقفوا ضد إرادته سقطوا مهزومين في صيف 94م ومازالوا يسقطون أمام الإرادة الشعبية الوحدوية". وشعبنا اليمني أراد الديمقراطية وسلك طريقها خياراً لا رجعة عنه في حكم نفسه بنفسه.. وحقق إرادته هذه في إطار التعددية السياسية والممارسات الديمقراطية السليمة والمؤدية إلى التبادل السلمي للسلطة، ونجحت تجربته هذه نجاحاً مميزاً على مستوى المنطقة كلها.. (وكل من حاول إجهاض هذه التجربة وتشويه هذا المنجز السياسي الديمقراطي بهدف الدخول بالشعب إلى متاهات الفوضى واللا شرعية.. خسر الرهان مراراً وتكراراً وفشل مهزوماً أمام إرادة الشعب العظيمة..) تلك هي مجمل ما يريده الشعب باختصار وبساطة ووضوح.. والذين يقفون في وجه هذه الإرادة الشعبية فإنهم يسعون إلى عرقلة مسيرة الشعب التحررية والوحدوية والديمقراطية والتنموية ويسيئون إلى أمنه واستقراره وسكينته العامة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. ومقارنة ما سبق ذكره بما يدور اليوم في المعترك السياسي القائم بين السلطة ممثلة بالحزب الحاكم (المؤتمر الشعبي العام وحلفائه في التجمع الوطني للمعارضة) وبين المعارضة ممثلة بأحزاب اللقاء المشترك، فإننا لا نجد أي تفسير واضح وصريح للمواقف المتناقصة مع إرادة الشعب ليس في الجانب الديمقراطي فقط، ولكن تكاد تلك المواقف تشمل الكثير من الثوابت الوطنية، التي أرادها الشعب أن تكون وتحقق له ما يريد كالنظام الجمهوري الدستوري والوحدة اليمنية...الخ حيث كشفت لنا الاستعدادات للانتخابات البرلمانية القادمة عن كثير من الوجوه، التي تقف على النقيض مع ما يريده الشعب، فليس من منطق المصلحة العامة للشعب أن يتنصل أي طرف من الأطراف في الساحة السياسية عن الاستحقاق الديمقراطي الانتخابي للشعب في ال27 من أبريل 2011م.. وحتى نكون منصفين فإن أياً من الطرفين يقف ضد هذا الاستحقاق يكون قد أعلن صراحة وقوفه ضد إرادة الشعب، بل ضد الشعب الذي دفع الكثير من التضحيات في سبيل تحقيق هذا المنجز الديمقراطي وترسيخ مداميكه، بل وبنيانه الشامخ على امتداد سنوات حاضره ومستقبله.. ومثل هذه المواقف التي نلمسها من أحزاب المعارضة الرامية إلى عرقلة إقامة الانتخابات في موعدها هي ما تجعلنا نقف مستغربين إزاءها خاصة بعد صدور التعديلات على قانون الانتخابات وإعادة هيكلة اللجنة العليا للانتخابات.. والذي يدفعنا للاستغراب أكثر أن الخطاب السياسي لهذه الأحزاب يتحدث وكأنها وصية على الشعب، بل ويدعو الشعب إلى التنازل عن إرادته وقناعاته والانجرار معها إلى الشارع لممارسة ما تريده هذه الأحزاب، وكأن الشعب قد صار دُمية في أيدي تلك الأحزاب، التي بدلاً من أن تدعو الشعب إلى ممارسة حقه الدستوري والتوجه إلى صناديق الاقتراع لتقرير وتأكيد إرادته في اختيار من يريد فوجئنا جميعاً بأنها تدعوه إلى غير ذلك وتلك هي المفارقة التي نأسف لحصولها.. وهنا نتساءل: إذا كان الشعب هو ما تسعى أحزاب المعارضة إلى خدمة مصالحه العليا فهل من مصلحة الشعب حرمانه من حقه الديمقراطي والسير به إلى مصير مجهول لا تحمد عقباه..؟ وما الذي يضير أحزاب المعارضة من الانتخابات في موعدها إذا كانت على ثقة بأنها تعمل لأجل الشعب وتلبي إرادته؟ ثم لماذا الخوف من الصندوق الديمقراطي واستبداله ب"هبة الغضب" في الشارع؟.. فهل صار للديمقراطية فكر مغاير لايؤمن بالطرق والآليات الانتخابية المعروفة في كل العالم؟ والأهم من هذا وذاك هل الشعب ساذج لدرجة يصبح فيها معولاً لهدم كل ما حقق لنفسه من منجزات ديمقراطية خدمة لأهواء ضيقة لا تضع لمصالح الشعب أي اعتبار؟ وهل صار خفياً على الشعب أن من يتمرد على الشرعية الدستورية ويخرج عن القانون، ومن يرفع في وجه الوطن شعار الانفصال لا يقل عداءً للشعب عن ذاك الذي يعمل جاهداً لحرمان الشعب من ممارسة حقه الدستوري في حكم نفسه بنفسه وفق الخيار الديمقراطي، الذي أراده لتقرير مصيره..؟ لقد تكشفت عن الوجوه الأقنعة، وأصبح على الجميع أن يحترم هذا الشعب الذي صار أكثر وعياً وأكثر إرادة وأكثر عشقاً للوطن.. بل صار لزاماً على السلطة ممثلة بالحزب الحاكم أن تكون أكثر صرامة وحزماً وشعوراً بالمسئولية الملقاة على عاتقها تجاه الشعب ومنجزه الديمقراطي الذي لا رجعة عنه ولزاماً على أحزاب اللقاء في المعارضة أن يعلموا علم اليقين أن الشعب قد شبّ عن الطوق، وصار على قدر كبير من الوعي ومن معرفة مصلحته.. وإذا كانت هناك بعض السلبيات التي تشكل في مجملها معاناة للشعب "الفساد" فشعبنا اليمني يمضي بإرادته المعتادة إلى مكافحة هذه الظاهرة بالطرق القانونية المتحضرة، وليس وفق قانون الغاب، كما أن ذلك ليس معناه أن يقف الشعب ضد نفسه ويهدم ما بناه.. فمن أراد مصلحة الشعب فعليه الحفاظ على وحدته ونظامه الجمهوري ومنجزه الديمقراطي بصورة تؤكد للجميع مدى منطقية مشروع التغيير إلى الأفضل، وليس إلى الأسوأ وليكن يوم 27 أبريل موعداً للشعب وانتصاراً للإرادة الشعبية الملبية لنداء الواجب في بناء اليمن.