الحج: الركن الخامس من أركان الاسلام, وقد جعله المولى عزَّ وجل مقروناً بالاستطاعة المادية البدنية, لكي لايشق على الناس ممن لايمتلكون المال الذي يُمكِّنهم من أداء الحج قال تعالى: (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين) ويروى أن أول عمل قام به أبونا آدم هو الطواف بالبيت الحرام, وأن الملائكة قالت له حينها: قد طفنا قبلك بألفي عام. وللأسف الشديد هناك الكثير من الناس تتوافر لديهم متطلبات ومقومات الاستطاعة, ولكنهم لايبادرون لأداء فريضة الحج, إما لأنهم مايزالون في سن مبكرة, ولديهم شبه اقتناع بأن الانسان لايحج إلا عندما يدخل مرحلة الشيخوخة، وإما لانشغالهم بأعمالهم الدنيوية متناسين أن الموت يحاصرهم, وقد ينزل بهم في أية لحظة, وغير مدركين فداحة أن يدركهم الموت ولديهم الاستطاعة ولم يؤدوا فريضة الحج, ومن ذلك قول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): (من وجد زاداً وراحلة يُبلغانه بيت الله ولم يحج فليمت إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً وإن شاء مجوسياً أو على أي ملة شاء), وجاء في الجامع الكافي عن الرسول(عليه الصلاة والسلام) أنه قال: (من مات من المسلمين ولم يحج لم يمنعه من ذلك مرض حابس ولاسلطان جائر ولاحاجة ظاهرة فليمت على أي الحالين شاء إن شاء يهودياً وإن شاء نصرانياً) وعن سعيد بن جبير عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: (من مات موسراً ولم يحج مات كافراً) وفي أصول الأحكام عن النبي عليه الصلاة والسلام: (من مات ولم يحج مات ميتة جاهلية) وأمام ذلك فإن على المتهاونين والمتكاسلين عن أداء فريضة الحج رغم استطاعتهم الكاملة القيام بها أن يسارعوا إلى أدائها ابتغاء مرضاة الله وعفوه ومغفرته, فالحياة زائلة والمال كذلك, وكم من مؤمل في الحياة أدركه الموت دون أن يُصلح مابينه وبين الله ومابينه وبين الناس، ودون أن يؤدي الركن الخامس من أركان الاسلام. وبالعودة إلى عنوان هذا الموضوع فإنني استغل هذه الفرصة لإسداء بعض النصائح للحجاج المتوجهين هذا العالم لأداء فريضة الحج استجابة للنداء الإلهي الذي خاطب به نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام: (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على مارزقهم من بهيمة الأنعام) وذلك لكي أذكرهم بها وهم على أعتاب مغادرة أرض الوطن من أجل تعظيم شعيرة من شعائر الله, وهي نصائح يغفل عنها الكثير من الحجاج، فمن كتب الله له أداء فريضة الحج فعليه أن يبدأ بجملة من الخطوات الإجرائية والمعاملاتية, والتي تجعله يحتل المراتب المتقدمة عندما يمنح الله عز وجل عباده أجر الحج، فعلى الحاج أن يًصلح مابينه وبين الناس، من خلال رد المظالم والأمانات إلى أهلها وكتابة وصيته وتضمينها كل ما له وماعليه من أجل أن يتوجه إلى الحج بنفس آمنة ومطمئنة، وعليه أن يتحرى مصدر المال الذي سيحج به فيكون مالاً حلالاً ويترك لأولاده مايسد حاجاتهم حتى عودته، فلايحج من مال مغتصب أو مشبوه, فالله سبحانه وتعالى طيب لايقبل إلا طيباً، ولايحج وهو مخاصم لجاره أو قاطع لأرحامه أو مغتصب لأرض غيره أو ماله وغير ذلك من الأعمال التي تتنافى وقيم الإسلام الفضلى وتعاليمه السمحة وتعاملاته السامية، فالمطلوب أن ينظف نفسه من كل هذه الأدران من أجل أن يعود بعد الحج كما ولدته أمه، وعلى المقدمين على أداء فريضة الحج أن يعملوا على إعلان التوبة من الذنوب والخطايا التي يقترفونها خلال تعاملاتهم اليومية وأن يجعلوا من الحج نقطة تحول في حياتهم نحو الأفضل, وأن يعقدوا العزم على عدم العودة إلى الوقوع في المعاصي والآثام فقد يُدركهم الموت أثناء أداء فريضة الحج, وكم هو جميل وعظيم عند الله عز وجل أن يموت الإنسان وهو يؤدي فريضة الحج تائباً ومنيباً إلى ربه فذلك هو الفوز الكبير والعظيم. وفي الحج وأثناء أداء المناسك ينبغي على الحجاج الالتزام بالإرشادات والتوجيهات التي تصدر عن بعثة الحج, ويحرصوا على تفادي الدخول في الزحام, واتخاذ الاحتياطات اللازمة للسلامة من أي طارىء قد يحدث، وكذا الحرص على حمل البطاقة التعريفية الخاصة بكل حاج ووضعها في صدورهم وعلى وجه التحديد النساء وكبار السن لتسهيل مهمة إيصالهم إلى مواقع إقامتهم في حال تعرضهم للضياع, فالبطاقة التي يحملها الحاج لايجب أن يأخذها غيره حتى وإن كان ابنه أو أخوه أو جاره.. وهناك جملة من النصائح الخاصة بالحج سيتم التطرق إليها لاحقاً، ومانتمناه أن يكتب الله السلامة لحجاج بيت الله الحرام وأن يؤدوا المناسك بيسر وسهولة ليعودوا بذنب مغفور وحج مبرور وتجارة رابحة لاتبور, ونسأله تعالى بأن ييسر لنا ويكتب لنا أداء هذه الفريضة وزيارة بيته العتيق وروضة نبينا محمد(صلى الله عليه وآله وسلم). اللهم ثبتنا على دينك ما أحييتنا ولاتزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم أعنا على أداء الفرائض وما أوجبت علينا فيها من الطاعات وقسمت لأهلها من العطاء في يوم الجزاء أنت ولي ذلك والقادر عليه.. نعم المولى ونعم النصير.. والله من وراء القصد. Fatah [email protected]