دائماً يتحدث الجميع لاسيما المسؤولين عن الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية عن الشراكة المجتمعية وضرورة تأسيسها وتفعيل جوانبها في كافة المجالات، كون المجتمع الشريك الفعلي والأساسي مع مكونات الدولة المختلفة في عملية البناء والتنمية بشموليتها. والشراكة المجتمعية تعد مظهراً "من مظاهر الحضارة والوعي لدى المجتمع، وهي تأتي لتلبية حاجات أساسية في بناء المجتمعات لما لها من دور كبير في النهوض الوطني الشامل وإبراز الصورة الصادقة لروح التلاحم بين أبناء الوطن الواحد، وإظهار الحس الوطني من خلال الشراكة الحقيقية في تحمل المسؤولية، وتحقيق الهدف العام منها والمتمثل بالارتقاء بالأداء الوطني والحفاظ على الوطن وأمنه واستقراره" وتلافي كافة جوانب القصور التي تحد من عملية البناء الوطني الشامل. ومصطلح «الشراكة المجتمعية» بعموميته لم يأتِ من فراغ؛ بل يؤكد بجلاء الدور الكبير الذي ينبغي لكافة أبناء الوطن القيام به في إطار مسؤولياتهم المجتمعية كشركاء أساسيين وفاعلين مع مؤسسات الدولة المختلفة لتجاوز مظاهر الجمود والتخلف وكل صور اللامبالاة التي تتسبب ببروز الاختلالات والسلبيات، ونرى البعض يذهب لتحميل الدولة وأجهزتها الحكومية المسؤولية عنها؛ في الوقت الذي يتم نفيها عن أبناء المجتمع الذين يعدّون سبباً في بروزها في مناحي الحياة المختلفة. والشراكة المجتمعية التي يحاول البعض التهرب منها بأطروحات بعيدة عن روح الواقع أو من خلال جعلها قضية للمزايدة؛ هدفها العام هو خلق وعي مجتمعي شامل بمختلف القضايا الحياتية، وجعل المجتمع شريكاً لا يستغنى عنه أو يتم القفز عليه في بناء دولة حضارية لا وجود فيها لكل المظاهر المتخلفة أياً كان شكلها أو نوعها. والحقيقة التي يجب أن نعلمها في هذا السياق هي أنه ودون شراكة مجتمعية حقيقية مع مكونات الدولة بقطاعاتها المختلفة لا يمكن القضاء على كل أشكال وصور الفساد ذات المفهوم الواسع وغير المحدد بالمالي أو الإداري وحسب، بل هناك فساد سلوكي وفساد قيمي وفساد تربوي وفكري إضافة إلى القضاء على كل المظاهر السلبية المتسيدة. الشراكة المجتمعية مهمة، وما أحوجنا إلى تأسيسها وتفعيل جوانبها في كل المجالات من منطلق أولاً الإيمان بالآخر، وثانياً من منطلق أن بناء الوطن مسؤولية كل أبناء الوطن بمختلف فئاته وشرائحه. نتحدث عن الشراكة المجتمعية كوننا نفتقر إليها في مجتمعنا المحلي.. وكون مختلف القضايا الحياتية التي نعيشها هي في أمس الحاجة إلى وعي مجتمعي حقيقي كفيل بمعرفة الإيجابيات وتنميتها والارتقاء بجوانبها المختلفة، والسلبيات لتلافيها والحد من مترتباتها وأضرارها السيئة التي إن اتسع وقعها سيتأثر منها كل شرائح وفئات المجتمع. نحن بحاجة إلى شراكة مجتمعية تنمي لدى الفرد روح المسؤولية والانتماء إلى هذا الوطن، وتكشف عن دوره المطلوب في زرع كل القيم الحية التي تحث على العمل وترك ما دون ذلك، وتعزز لدى الناس معاني الانتماء لهذا الوطن الذي هو بحاجة إلى جهود كل أبنائه هدفاً في الوصول إلى وطن خالٍ من الفساد بصوره الشاملة والكاملة، وطن معافى من كل الأوجاع والآلام التي تحد من نموه ورقيه وتقدمه. ما أحوجنا إلى تعزيز هذه الشراكة من أجل بناء وعي مجتمعي عام يدرك معه أبناء الشعب أن وجودهم في هذا الوطن والانتماء إليه هو بحد ذاته مسؤولية.. والمسؤولية وحدها تحتم عليهم استشعار الهدف العام من وجودهم واستمرارهم في الحياة. ويقيناً إن بناء الأوطان لا يتم إلا من خلال الوعي بالمفهوم الشامل للبناء.. فأين يكمن دور الفرد والمجتمع في البناء؟. [email protected]