(1) تأسس مفهوم أحسبه يقترب من الحدس أكثر مما يقترب من الواقع وهو أن أبا نواس, الشاعر العباسي كان يكره العرب والعروبة بسبب عنصره الفارسي وإذا كان «الطلل» رمزاً للثقافة العربية, فإن رفض الطلل من قبل هذا الشاعر الكبير إلى درجة سبّه وتناوله ببذاءة وفحش إنما كان نيلاً من هذه الثقافة واتساقاً مع تكوينه العرقي, الذي ينتمي لحضارة بادت على يد القادمين من جزيرة العرب. وفي بحث كتبته قبل سنوات في مجلة(كلية الآداب) جامعة صنعاء العدد(21) رددت هذا القول, ونفيت هذا التأسيس الذي تأسس عليه وبمقتضاه مفهوم نقدي لازال قيد التناول بين النقاد, فقلت- ضمن ماقلت- إن أبا نواس كان(ولياً) للطلل حفياً به, عزيزاً عليه, وله مقدمات طللية غاية في الأناقة وجمال الإحساس, على حد قوله: يادار مافعلت بك الأيام ضامتك والأيام ليس تضام وكثير غير هذا, ولكن أبا نواس, كأي شاعر فقير, كأي مبدع فقير, كان يطمع أن يسْتَرزق بشتم الطلل وسبه والسخرية منه, مراعاة لمقتضى حاله, ومقدراً موقف المخاطب, الذي كان يطمع في استرداد حضارته الفارسية البائدة, والذي يثير هذا القول لدى الشاعر ليس فقره وحسب، وإنما شهوته التائقة إلى ملذات الحياة الدنيا من خمر وجمال يتعدى في نظره جمال النساء إلى جاذبية الغلمان. يذكر ابن المعتز في(طبقات الشعراء) عبارة خطيرة لأبي نواس, مفادها, أنه ناقم على حياة القصور وأنه يُحمِّل نفسه مالايطيق عندما يذهب إليها وأن حياة الحرية أفضل من هذه الحياة التي لايجد معها حرية. فكرة هذه السطور أن هناك مقابلة حادة بين المبدع والحاكم, فالفنان, شاعراً أو رساماً أو أي شيء آخر يطمع أن يخرج على كل الأعراف والتقاليد, وربما الأديان، فالله قد منح هذا الإنسان أجمل عزيز في الكون وهو الحرية التي من أهدافها السلام والوئام والعدل والانطلاق.. وأبو نواس في القرن الثاني للهجرة كان واحداً من هؤلاء.. لقد تعرف الشاعر على الخليفة الذهبي- إن صح التعبير- هارون الرشيد وبالرغم من أنه كان ممدوحاً لأبي نواس, إلا أنه لم يجد غضاضة في سجنه أكثر من مرة, بسبب ممارسة سلوك يراه الشاعر ضرورة ورآه الخليفة خروجاً