المذهب البيوجرافي Biogafic يفسّر الإبداع في ضوء حياة صاحبه، فنحن مثلاً لا يمكن أن نفسّر إبداع أي مبدع دون أن نقف على حياته الخاصة والعامة. لا يمكن أن نفسّر إبداع شوقي دون أن نفهم حياته في قصر الخديوي أمير مصر، وكذلك لا نفهم إبداع بشار بن برد ومن بعده أبو نواس دون أن نقرأ واقع البصرة فكرياً واجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، ودون أن نفهم طفولة هذين الشاعرين الرائعين. كان بشار رائد الزندقة في العصر العباسي, وكان صاحبه وتاليه أبو نواس رائد المجون والفجور. أما بشار فكان كصاحبه فارسياً, ودفع به ولاؤه العنصري أن يمجد الفرس الذين اعتقدوا أن العرب أسقطوا امبراطوريتهم وصادروا مجدهم, وصاغ هذه العقيدة شعراً. واتهم العرب أنهم رعاة إبل، يبولون على أعقابهم، ليس لهم حظ من الحضارة, فاتسم شعره بالكآبة والسوداوية، وأبدع في الهجاء، عاكساً تشاؤمه وحنقه وحقده الدفين. أما صاحبه أبو نواس، فلقد كان جميلاً جداً، وغيوراً على أمه الأكثر جمالاً، تلك التي أباحت حرم منزلها للعابثين من طالبي اللهو والمتعة. فرأى في ذلك انتهاكاً لحرمة أبيه، فكان أن أبرز ظاهرة الغزل بالمذكر، منصرفاً عن استواء الطبيعة وسلامة المزاج وجمال الذوق. إن الحياة الأولى دون شك تسهم بتشكيل الذوق والمزاج وطبائع الأحياء، ولذلك يهتم علماء التربية بالتنشئة الأولى, ويعتبرون أن هذه الحياة الأولى هي الأكثر خطورة في حياة الإنسان. ولقد فطن العرب في عهدهم الجاهلي إلى هذا الأمر، فكانوا خوفاً على لغتهم وثقافتهم ينشدون هذا النقاء اللغوي والثقافي في البادية، فكانوا يرسلون أبناءهم من عهد مبكر إلى البادية، ليتشربوا الفصاحة والفطنة والبداهة. أطفالنا شوارعيون حين لا يستيقظ الشارع إلا على صخب البذاءة واللا مبالاة وكتابة أوراق الغش أيام الامتحان!!.