قالوا سنذهبُ من صنعا إلى عدن فقلتُ من وطني أمضي إلى وطني تمنيتُ كثيراً أن يكون أنا من قال هذا البيت الشعري الرائع، لكنه للشاعر العراقي الكبير عبد الرزاق عبد الواحد الذي فاجأني به عندما أجريت معه حواراً في بغداد الجريحة ونشرته صحيفة 26 سبتمبر في 8 / 10 / 1999 م، فعندما سألت شاعرنا الكبير عن عظمة هذا المنجز التاريخي, وكيف كان استقباله لإعلانه، ردَّ عليّ بهذا البيت، وقال لي بصوته المجلجل: كنتُ ليلتها في صنعاء لحضورِ إحدى الفعاليات فدعيت للذهاب إلى عدن لرفع علم الجمهورية اليمنية, وكتبت ليلتها قصيدة طويلة مطلعها البيت السابق .. لم يتوقف الأستاذ عبد الرزاق عند هذا البيت فقط، فقد أخبرني أن فرحتهم في العراق والوطن العربي بالوحدة اليمنية ربما تفوق فرحتنا نحن اليمنيين باعتبارها - في نظرهم - قد فتحت الآفاق نحو الحلم الأكبر الذي يحلم به الجميع. لا أريد أن أخوض في تفاصيل ذلك الحوار مع شاعر بحجم الأستاذ عبد الرزاق عبد الواحد، لكن ما يستوقفني كثيراً عند ترديد هذا البيت إلى جانب استقراء ردود الفعل لدى المثقفين والأدباء والكتاب العرب, هو حرصهم اللامتناهي على وحدة اليمن الأزلية، واستعدادهم للتضحية من أجلها بكل غالٍ ونفيس, بينما بعضُ مثقفينا وسياسيينا يعمدون وفقاً لأهوائهم الشخصية وانتماءاتهم الجهوية الضيقة التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع إلى التقليل من شأنها واجتراحها والنيل منها. أسئلةٌ كثيرةٌ تدورُ في خَلدي والمتابعين للشأن السياسي في بلدنا عن هذه اللعبة القذرة, التي لا تنم إلا عن جهلٍ وغباءٍ سياسيٍ وحقدٍ دفين لدى من حاكوها ونسجوا خيوطها لإيقاعنا في فخ الفتنة، كي يخلو لهم الجو لتمرير مخططاتهم المريضة، على الرغم من إدراكهم أن مسرحيتهم ليست سوى أضغاثِ أحلام، المحالُ ذاتُه اقربُ لهم منها..فهل وصلت الرغبةُ الجامحةُ لدى البعض بالوصول إلى السلطة بالتضحية بمستقبل الملايين؟ وهل غرامُ السياسة وبهرجتها أغلى من دماء الناس وأموالهم واستقرارهم؟؟. وهل أوصِدتْ كلُّ الأبواب بوجوههم فرأوا في هذا الأسلوب المُبتذل أقصرَ الطرق لتحقيق طموحاتهم؟ هل أُحرقت كلُّ الأوراق فلم يجدوا إلاَّ الوحدة ورقةً رابحةً لتعويضِ خسائرهم، حتى وإن كان الثمن التشرذم وسفك الدماء وقطع الطرق وإيذاء الآخرين؟. لماذا يتكىء البعضُ على عُكازة الانقسام بدلاً من أن نستند إلى وحدتنا ونجعل منها أساساً صلباً لحلحلة أخطائنا وعلاج أزماتنا؟ وهل من المنطقي أن يستميتَ غيرُنا على الوحدة، بينما بعضُنا يقدِّمُها على طبقٍ من ذهب لأعدائها؟؟ لماذا يُستغلُ التطورُ التكنولوجي والمعلوماتي الهائل والمتسارع في بناء نهضة الأمم، بينما يُسخِّرهُ بعضُنا للتقزيم والتخريب والتجهيل؟؟ يا جماعة .. الخلافُ والاختلافُ سنةٌ كونيةٌ لم يخلُ منها أي قاموس، وعرفتهما كلُ العصور، لكن يجب علينا أن نستفيد من عِبرِ الماضي لاستشراف المستقبل والنهوض ببلدنا ومجتمعنا فيما ينفعه لا ما يضره، أمّا أن يصلَ ذلك الخلافُ والنزقُ السياسي إلى درجة التضحية بالبلد، فهذا أمرٌ لا يقبله عاقلٌ ولا يرضاه حتى المجانين، فلنتقِّ اللهَ في اليمن وفي أنفسنا، ولنراجع حساباتنا ونعالج مشكلاتنا، ونؤمن جميعاً أننا نسيرُ في مركب واحد إذا غرق لا قدَّر الله فلن ينجو منا أحد.. وليس العيب أن نخطىء لكن العيب أن نستمر في الخطأ. [email protected]