عندما تفتح الحنفيات الرئيسية لتغذية الحارات بالمياه بحسب الجدول نلاحظ أن ميازيبَ وعداداتٍ وأنابيبَ تقذف المياه إلى الشوارع ولسنوات كما في بعض بيوت سوق الصميل بتعز, ولم يكلف أحد إصلاح مايخصه منها بل إن شخصاً اتهم مؤسسة المياه بالإهمال, فقلت له شخصياً: هل أبلغتهم بما حدث؟, فردّ أن موظفيهم كثيرون ويجوبون الحارات بالسيارات أو بالأقدام ويعرفون كل مكان فيه حالة تسرب مياه من الشقوق أو من العدادات والمحابس ومن الأرض. هذا الإهمال المشترك ماذا يعني؟ يقول الناس: إن الذين يتركون خزاناتهم السطحية أو الأرضية بدون صيانة وتوابعها من أنابيب أو محابس لايتحلون بالوعي الصحيح بأهمية الحفاظ على المياه وسلامتها للاستخدام وخاصة تلك التي لاتغلق وتبقى مفتوحة ويأكلها الصدأ من رأسها ومن أركانها فتفيض منها المياه وتغمر الشارع ولايفرح بها إلا الأطفال والمجانين كالحيوانات البرية التي تستمتع بها بعد رحلة من العطش والحر فتتقلب فيها بعد الارتواء. رأيت قبل فترة أشخاصاً يقومون بتلحيم قصبة مياه أحد المباني في نفس الحي وسألت لماذا؟ فقالوا إن هذا الشخص لم يسدد قيمة المياه لعدة سنوات أو يصلح شبكتها من الداخل ويبدو أنه يريد بيع المبنى القديم الذي تآكل سطحه وأكلت دودة الأرض النوافذ والأبواب ولايسكنه إلا الذين لم يجدوا مأوى لفقرهم وعجزهم وهو بالنسبة لهم مريح وأريح من رصيف الشارع سواء يدفعون إيجاراً رمزياً أو بدون إيجار. تراهم يحجبون الشمس بخرق بالية أو كراتين وعندما تسقط الأمطار المصحوبة برياح تدخل مياه الأمطار إلى الغرف إلا القلة الذين سكنوا لفترة مؤقتة حتى يجدوا مكاناً مناسبًا, فهؤلاء إما موظفون صغار أو أصحاب حرف بسيطة أو عزاب ينتظرون يوم الفرج من ضائقة الحياة بالزواج أو بناء مساكن بسيطة في أطراف المدن أو في قراهم التي لم يعد السفر إليها ومنها بالشيء الصعب كما كان في الماضي. إن التعامل مع المياه لايزال يشوبه العبث وعدم الحرص كما هو الحال في الدول الغنية بالمياه من الأنهار والآبار الضخمة لأننا لم نقدر أو نحسب حساباً للكارثة القادمة التي ستحل بأبنائنا وأحفادنا الذين يتعلمون منا ماهو سيئ ولايريدون أن يسمعوا نصيحة من مجرب وخائف عليهم إذا هم بقوا هكذا لايبالون بأنفسهم اليوم ولا بأولادهم وأولاد أولادهم في المستقبل. ومجرد نظرة على مجلس مقيل وعدد القناني البلاستيكية التي استهلك المخزنون ربعها أو نصفها وتركوها أو رموا بها في الشوارع يتأكد لك إذا كنت ممن يحزنون على قطرة ماء تهدر بأن الوعي عندنا يتدهور بدلاً من أن يتطور بأهمية الحفاظ على المياه باعتبارها أمانة في أعناقنا, ونسمع مايدور من كلام ونزاع على المياه ونتوقف عن التوسع في زراعة القات وفي بناء السدود والحواجز ونخصص جوائز لمن يعملون من أجل تأمين اليمن مائياً في المستقبل ونعاقب بصرامة أولئك الذين يهدرونها بشكل أو بآخر.