قبل قرون قال شاعر يمني قديم يصف رحلته إلى عدن في أقصى اليمن: تقول عيسي وقد وافيت مبتهلاً لحجاً وبانت ذرى الأعلام من عدن أمنتهى الأرض يا هذا تريد بنا فقلت كلا ولكن منتهى اليمن هذه هي عدن من وجهة نظر الشاعر الذي تعكس قوافيه معاني الشوق والحنين ونظرة الإجلال والإكبار لهذه المدينة العتيقة الساكنة في الجوانح والقلوب لأبناء اليمن قاطبةً ولكل من زارها وعاش فيها ووقف على شواطئها الباسمة التي ينساب على جوانبها المياه الدافئة الصافية المتدفقة من البحر العربي لترسم ملامح فريدة للحسن الأخاذ الذي لا يغادر الأبصار والقلوب ويظل في سويداء النفوس يعزف مقطوعة من النغم الشجي الذي يشبه حفيف الريح في غابات مليئة بالأشجار الوارفة. تلك رحلة بدأها الشاعر إلى مدينة عدن مهدت لرحلات عشق توالت على المدينة الساحرة ثغر اليمن الباسم من كل حدب وصوب ومن كل أرجاء العالم فألهمت الشعر للشعراء والكياسة للساسة والإبداع لأهل الفنون وألهمت المحبين معاني الشفق وألهمت الفقراء فتح مصاريع الأمل ومعاني العطاء الذي لا ينفد, وعلمت الثائرين معاني البطولة والتضحية والنضال، وحمل الزائرون لها من كل أقطار الأرض ذكريات لا تنسى عن سحرها ورقتها وروعة مناظرها ونقاء وصفاء مياهها وأخلاق أهلها فأحبها الجميع دون استثناء عبر القرون المتلاحقة. وهاهي (عدن) اليوم تستقبل أبناء الخليج والعراق الوافدين إليها للمشاركة والاحتفاء بحدث رياضي كبير هو (خليجي 20) الذي يضم شباباً من هذا البلد ومن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان ودولة قطر ودولة الكويت ومملكة البحرين وجمهورية العراق وعلى إثرها حطت الرحال وانطلقت بطولة خليجي 20 لقرابة نصف شهر لتعطي هذه البطولة معاني جميلة ومذاقاً خاصاً وينعم الأشقاء بالحفاوة والاستقبال وكرم الضيافة في ظلال هذه المشاركة والوقوف عن كثب على حجم التطور المذهل التي شهدته هذه المدينة الجميلة خلال سنوات خلت من عمر الوحدة اليمنية التي ارتفعت رايتها فوق ثرى هذه المدينة العابقة بالمسرات صبيحة الثاني والعشرين من مايو1990م فزاد هذا التطور جمالها جمالاً وكساها برود المجد والعمران. ومع انطلاق خليجي20 قبل أيام في أجواء طيبة وهادئة لتحقق نجاحاً لليمن في استضافة هذه البطولة التي تعد الأولى من نوعها في اليمن فإن ثمة جهوداً مبذولة على كل المستويات لتحقيق النجاح المنشود وإشاعة أجواء الود والمحبة والإخاء بين الفرق المشاركة وأجهزتها الإدارية وتهيئة الأجواء المناسبة الكفيلة بتحقيق عامل الارتياح التام للأشقاء الوافدين من فرق ومشجعين أيضاً ونقل صورة طيبة وخواطر متميزة عن اليمن وهو ما يعزز من روابط الإخاء والود وتعزيز روح العلاقة الثنائية مع هذه البلدان الشقيقة الجارة التي نرتبط معها بروابط التاريخ والجغرافيا والعقيدة والدم واللغة والمصير الواحد بما يكفل تكسير كل الحواجز ويخلق التقارب المطرد وتمتين عرى التعاون والترابط والعمل المشترك الذي يخدم دول الجزيرة وخلق التكامل في شتى جوانب الحياة الذي يقلص من حجم الهوة والبون إن وجد بين هذه الأطراف مجتمعة. فثمة مواقف معينة في حياة المرء تحدث لديه تحولات إيجابية محمودة وكذلك هو حال المجتمعات أيضاً، ناهيك أن هذه الفعاليات الرياضية والحدث الكبير عكس لدى الأشقاء روح المسئولية الوطنية التي يتحلى بها أبناء هذا الوطن الذين يضعون خلافاتهم وقضاياهم عندما تستوجب المصلحة الوطنية ذلك, فلم تنجر أي قوة سياسية أو معارضة بما في ذلك الحراك الجنوبي لأي عمل غير لائق مدركة أن اسم اليمن وسمعتها ومصلحتها أكبر من كل الخلافات وأشكال التباين في الرؤى لمعالجة خلافاتنا الداخلية التي تتم دوماً في إطار الوطن وتحت راية المصلحة الوطنية العليا. إن نجاح استضافة اليمن لهذه البطولة بالمستوى القائم اليوم إن شاء الله تعالى يجعلنا نتفاءل كثيراً بالمردودات الطيبة المتوخاة منها على صعيد تعزيز العلاقات اليمنية مع كل دول الخليج بما يفتح آفاق تعاون وشراكة أفضل في المستقبل ونتطلع أن تكون هذه البطولة الكروية فاتحة خير بحوار جاد بين الفرقاء السياسيين بما يكفل معالجة كافة القضايا العالقة, تحت مظلة الوحدة لتتراص الصفوف وتتوحد كل الجهود لبناء هذا الوطن الذي يتوقف نهوضه وانطلاقه على إسهام ووحدة أبنائه وإصرارهم على المضي قدماً والتغلب على التحديات والمعوقات والأنواء العاصفة لتصل السفينة إلى شاطئ الأمان ومرافئ التقدم والنماء .. ولنتذكر قول شاعرنا القديم حين قال : إذا احتربت يوماً وسالت دماؤها تذكرت القربى ففاضت دموعها والله من وراء القصد.