لم يعد يشم عبير الأرض إلا القليل من المزارعين, أما غيرهم فقد فضلوا الروائح الكريهة المتمثلة بالكيماويات والمبيدات في كل شيء من المزروعات وفي مقدمتها القات, وتحوّل طعم الطماطم إلى ما يشبه السائل المستخدم في تبييض الملابس عند غسلها، وإن كانت كل الخضروات والفواكه قد تعرضت جينياتها للغسيل المبيد العديد الأنواع. فمن يشم عبير الأرض لا يدنسها بالمبيدات الفتاكة، وإن بلغ الإغراء المادي الذي جعل القات شجرة مقدسة وإكسير حياة عند المزارع والمولعي، وشيئاً فشيئاً أصبح معظم الشباب يدمنون القات ولا يترددون في منافسة زبائنهم في الأسواق للشراء، وعند مضغه يجلسون فيجتمعون لدى بعضهم البعض, وحينما يلتقون على علف القات يكون الضجيج والدخان وربما أشياء أخرى. فذلك يبدو على صورهم وطريقة كلامهم ومشيهم وتحرشاتهم التي لا تترك امرأة شابة قد يكون ولي أمرها معها في الشارع أو المحل إلا ويرمقونها بنظرات لا تخفي بلطجتهم وقلة حيائهم وعدم تقديرهم للنتائج, فكثيراً ما يقع واحد منهم في مشكلة يتلقى الضرب من زوج أو أخ أو أب، كما رأيت ذات مرة أحد الآباء وهو يلطم شاباً أطول وأعرض بقوة، حتىسمعه شخص جالس يبيع الشمة السوداء في زقاق ضيق يؤدي إلى سوق الدجاج التابع للسوق المركزي بتعز. إن انصرافنا جميعاً عن الزراعة الحقيقية كماً وكيفاً وفي هذه الأوقات التي تعلن فيها إحدى الدول المنتجة للقمح بملايين الأطنان وهي روسيا بأنها ستشتري في هذا العام ما يزيد على ثلاثة ملايين طن من الحبوب بسبب الجفاف وقلة الاستثمار في الزراعة, ولكنها لن تستورد السنة القادمة؛ لأنها قد شرعت من قبل الإعلان هذا في عمل خطة زراعية واسعة تمكنها من استعادة مكانها بين الدول الكبرى في إنتاج وبيع القمح لكل من يشتري وليس مثلنا الذين نتكلم كثيراً ولا نعمل حتى القليل. إننا نبصق في أطيب أرض مذكورة أو موصوفة بهذا الاسم في كتاب الله الكريم الذي نزله على محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم بالمبيدات والكيماويات الخطرة التي نتناولها في الخضروات والقات والفواكه, ونقذف الإفرازات المشبعة بها، وبما تحمل من أمراض سرطانية سببها القات وهذه الأنواع من الطعام, وأصبحت رائحة الأرض غير ما كانت في الماضي بعبيرها الذي لا يساويه عبير الروائح الصناعية المستخلصة من زهورها وعروقها. ولهذا فنحن المهدّدون الأوائل في العالم بتدمير الزراعة ونضوب المياه عما قريب على مستوى المدن والقرى ما لم تشعلها ثورة خضراء حقيقية يكون المسؤولون الكبار في صفوفها الأولى.