جاء في الحديث أن امرأتين خرجتا إلى منطقة خالية برفقة طفليهما وعلى حين غفلة هجم ذئب وأخذ أحد الطفلين ومضى فنشب خلاف بين المرأتين على الطفل الذي نجا من الذئب وكل منهما تدعي أنه طفلها ومع علم إحداهما أن الطفل ليس لها إلا أنها أصرت على ادعائها وتمسكت بموقفها وبأنها صادقة فيما تقول , فانتهى بهما الأمر على نبي الله سليمان عليه السلام فلما ظهر له إصرار كل واحدة على أن الطفل لها طلب سكيناً وقال سأقسمه بينكما نصفين فوافقت الكبرى بصمتها وتنازلت الصغرى بالطفل طالما كان الحل هو تقسيمه بينهما وهو مايعني بلغة العقل موت الطفل ,وحينما حكم سليمان بالطفل للصغرى لما رأى من لهفتها وخوفها على ولدها فأدرك أنها الأم الحقيقية الصادقة بينما الأخرى لم يحرك لها الموقف ساكناً وكأنها تريد أن يكون مصابهما سواء بفقدان الطفلين اللذين ذهب أحدهما مع الذئب والآخر بشقه نصفين من خلال منطوق حكم النبي سليمان ,ولم يحدث الأخير لأن الحقيقة اتضحت وهكذا أراد سليمان عليه السلام بحكمه.. هذا هو معنى الحديث الذي ورد في قصة المرأتين وللقصة شواهد في هذا السياق وفي غيره لعل أهمها أن من لايملك حقاً بإمكانه أن يفرط بما يدعي بسهولة وإن كان موضع الادعاء طفلاً ولايمكن التنازل عن طفل مهما تكن النتائج وبامكان الأب أو الأم أن يدفعا حياتهما من أجل ذلك.. وكذلك الحال في كل شيء فصاحب الحق الصادق لايمكنه أن يتصرف كصاحب الحق المزيف الذي يريد أن يحصل على أي شيء وإن فقد كل شيء. القبول بمبدأ التقسيم والتجزئة والتشطير لايقبله إلا من لايملك حقاً ولا هو صاحب قضية ,الرضا بالتجزئة بالسكين أو بغيرها سيذكرنا بموقف الأم الكاذبة التي وافقت بصورة غير مباشرة على حكم سليمان وهي تعلم أن التقسيم معناه موت الطفل وبالتالي لافائدة من هكذا حل للخلاف ولكن لرغبة في نفسها لأن يكون مصابهما سواءً قبلت بالحكم , وهذا مايمكن تسميته بتعميم المصاب وخراب كل شيء.. هذه الحكاية لها مشابهات في أشياء عديدة ومتنوعة ومايحدث من نزاعات وصراعات سياسية أحياناً يعيد سرد القصة من منظور مختلف وبتفاصيل مختلفة ,ولكن تبقى الدلالات واحدة.. سنفترض أن الجميع في الحجة سواء أمام قضية سياسية وخلاف سياسي فإن الذي يقود الأوضاع إلى التأزيم والارباك ولايهمه أن تصل في النهاية إلى مالايحمد عقباه فهذا شأنه شأن الأم الكاذبة.. والذين يرون في التقسيم بأي شكل من الأشكال حلاً لقضية سياسية بالأساس هم أيضاً كالأم المزيفة الكاذبة التي قبلت بشق الطفل نصفين لاحياة فيهما.. هؤلاء وأولئك الذين يعزفون على أوتار حلول التجزئة ولايبحثون عن الحقيقة ولايهمهم تسوية الخلاف بقدر مايهمهم وضع حلول لمشاكلهم الخاصة وهي في الغالب مشكلات نفسية دفعت بأصحابها إلى عدم التفريق بين الحلول الصائبة والخاطئة ,وبين الحياة والموت والسكين هي الحد الفاصل بين الأمرين قبل أن تستخدم.. ولهذا نقول إن الذين تحولت عقولهم إلى سكاكين لايصنعون حياة ولا هم أصحاب حق ودعواهم باطلة والعاقبة تبقى للحق وأصحابه.