الخروج المبكّر لمنتخبنا من تصفيات خليجي20 والسقوط المفاجئ للأستاذ والصحفي عباس غالب نائب رئيس مجلس إدارة مؤسسة الجمهورية للصحافة, نائب رئيس التحرير؛ في براثن المرض هما الحدثان الأبرزان اللذان عكّرا فرحتي بخليجي20. الأستاذ عباس غالب خذله رصيده النضالي في بلاط صاحبة الجلالة وتاريخه الحافل بالعطاء الصحفي وكل القيم التي ظل ينادى بها طيلة ثلاثين عاماً وأكثر من أجل الوطن والناس ومن أجل الانتصار لقيم المحبة والحرية والديمقراطية والوحدة ولا يجد سنداً في محنته سوى فخامة رئيس الجمهورية و”مؤسسة الجمهورية” بإمكاناتها المحدودة. تحمّل المسئولية طيلة ثلاثين عاماً دون مليارات أو ملايين ومازال يصر على حملها من أجل اليمن وهو على سرير المرض في أحد المستشفيات في الأردن الشقيق يصارع الفشل الكلوي الذي أرهق كل شيء في جسده النحيل لكنه لم يرهق إيمانه بالوطن كقضية يجب مواصلة النضال من أجلها بسلاح الكلمة الصادقة والحرف النزيه. وبالرغم من أني شخصياً كنت آخذ على الأستاذ عباس غالب في كتاباته سواء في صحيفة الجمهورية أو غيرها من الصحف ميوله الدائم للخوض في أمور السياسة والمشاكل السياسية بين الأحزاب وأهمية الحوار وتوحيد الصف الوطني في مواجهة التحديات وعدم كتابته عن الجمال والطبيعة والفن والأدب والرياضة إلا أن الأيام أثبتت فعلاً أن الواقع والمشهد السياسي في وطننا يحتاج للكثير من الأقلام النزيهة التي تدعو لتغليب المصلحة الوطنية على مصالح الأحزاب والمصالح الشخصية الأنانية ولعل هذا ما أدركه الأستاذ عباس غالب منذ وقت مبكر وغاب عن الكثير من أمثال العبد لله . لقد مثل مرض الأستاذ عباس غالب المفاجئ والخطير صدمة للكثيرين ممن تعاملوا معه في إطار العمل وجربوا تعامله الإنساني الراقي مع الجميع وما يتمتع به من تواضع وأخلاق نبيلة قلّ أن نجد مثلها، وفي المقابل البعض ممن تضرروا من كتابات عباس غالب أو خالفوه الرأي قالوا: لا خوف على الصحفي عباس غالب فهو رجل دولة, وبالتأكيد قد جمع ملايين الملايين من الريالات والدولارات نتيجة المناصب التي تولاها في العديد من المؤسسات الصحفية التي ترأسها أو عمل فيها خلال السنوات الماضية والحالية وهو قادر على تحمل تكاليف العلاج مهما بلغت الفواتير( سبحان الله حتى في المرض والشدة يحاول البعض قلب الحقائق وتزوير الواقع كما هي العادة). تمنيت شخصياً ومعي الكثير من الذين عرفوا الأستاذ عباس عن قرب أن نمتلك موقع “ويكيليكس” الالكتروني لا لشيء سوى إظهار حقيقة هذا الإنسان الذي أعطى الكثير من عمره من أجل الدفاع عن مختلف قضايا البلد العادلة وقضايا الإنسان اليمني وانحصرت حياته في وريقات وقلم، ولم ينحنِ للمغريات أو يتاجر بثوابت الوطن كما يفعل هذه الأيام بعض أصحاب الأقلام الرخيصة الذين لا يهمهم سوى تعميق الخلافات وإثارة الفتن والحقد والكراهية في بلاد السعيدة باسم حرية الكلمة، فتكون رسالتهم في الحياة الهدم وزرع الفرقة والكراهية من خلال السم الذي يملأ الكثير من الصحف اليوم. عند زيارتي لعباس غالب في المستشفى قبل يوم من سفره للعلاج في الأردن لاحظت بأن الرجل أنهكه المرض فعلاً وأنهكته أيضاً السنوات التي قضاها في جهاد دائم بين الصفحات والموضوعات والتحليلات والأعمدة والأخبار وبشكل يومي من فترة الصباح وحتى منتصف الليل دون إجازات للاسترخاء أو رحلات ترفيهية، كان كل جزء من وجه الأستاذ عباس غالب يصرخ من التعب والإنهاك، روحه فقط لاحظت أنها مازالت محتفظة بجمالها ورونقها رغم الألم، وابتسامته الخفيفة هي التي مازالت تفضح نقاء سريرته التي حباه الله إياها ولاحظها واستفاد منها كل من عملوا معه طوال السنوات الماضية. تذكرت في هذه اللحظات عندما عينت كأحد موظفي مكتب صحيفة الجمهورية في محافظة حضرموت الحبيبة إلى قلبي، في تلك الفترة كانت الإمكانيات بسيطة وضغط العمل لا يطاق والمهام المطلوب تنفيذها كثيرة في الجانب الصحفي والجانب الإداري أيضاً، وتمر الأيام دون استراحة أو فرصة للتكاسل والتراخي عن الأمانة، فكانت طيبة الناس هناك وجمال البحر هما ما يهوّن على العبد لله وزملائه معاناة العمل، أما صوت الأستاذ عباس غالب، نائب رئيس مجلس الإدارة نائب رئيس التحرير, فكان هو المحفّز لمواصله مشوار العمل وهو الذي يجدد المعنويات. وأقسم بالله أنني أقول هذا الكلام بدون مجاملة أو لغرض في نفس يعقوب، فقد كان اتصال الأستاذ عباس غالب هو الشيء الذي يجعلني أشعر أن هناك شخصاً يقدّر عملك واجتهادك ويحفزك للعطاء أكثر، كان عندما يتصل بي ويشعرني بتواضعه واهتمامه يزرع في داخلي مع زملائي سعادةً غامرة، فكل حديثه في الهاتف ينصب في زرع الثقة في نفوسنا، ويقول دائماً: “مبروك عليك النجاح يارياض لقد كنت عند مستوى الثقة واصل اجتهادك، أنت وزملاؤك ناجحون في عملكم، نحن فخورون بك وبزملائك في فرع حضرموت، ورئيس التحرير يشيد دائماً بأدائكم”، فكانت هذه الكلمات تحرك في داخلنا (أنا وزملائي) مشاعر سعادة لا تضاهيها أية سعادة وتعطينا دافعاً كبيراً لنقوم بعملنا على أكمل وجه لاسيما وأننا من النادر أن نرى اليوم مسئولاً يهتم بمشاعر من يعملون تحت إدارته ويعمل على الرفع من معنوياتهم ويقدّر جهودهم، ولعل هذه الخصال النبيلة هي التي جعلت الأستاذ عباس غالب يحظى بحب من تعاملوا معه قبل احترامهم له. وعندما كنت في زيارته مع بعض الزملاء في المستشفى قبل أيام تجاذبنا معه أطراف الحديث في محاولة لتخفيف معاناة المرض والألم عنه فكان حديثه ينصب حول شعوره بالامتنان الكبير لفخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية, الذي اهتم شخصياً بمتابعة حالته ووجه بعلاجه في الداخل والخارج، فقلت له: “ هذا أمر طبيعي يا أستاذ فأنت قدمت الكثير من أجل بلدك وفخامة الرئيس يقدر المخلصين”، فقال: “الرئيس في عدن ولديه آلاف الأمور التي تشغله والمسئوليات الكثيرة من أجل إنجاح خليجي عشرين ومع هذا لم ينسَ عباس غالب أو يؤجل موضوع علاجي إلى ما بعد خليجي عشرين, وهذا الأمر كان له أثر بالغ في نفسي وأؤكد قولي دائماً بأن هذا الزعيم كبير في مكانته وكبير في أخلاقه وفي القيم والسجايا النبيلة التي يحملها ولم يكسب هذا الحب والوفاء الكبير من ملايين اليمنيين من فراغ فهو إنسان بكل معنى الكلمة قبل أن يكون زعيماً”، وعندما سأل بعض الزملاء الأستاذ عباس عن كبار المسئولين ومساندتهم له في محنته أجاب نجله لؤي عباس وقال: “البعض اتصل بالهاتف ليطمئن على صحة الوالد وقال أبلغوا تحياتي وتمنياتي للأستاذ عباس بالشفاء والبعض الآخر لم يتصل لأنه مشغول بخليجي عشرين”. ومن هنا لابد أن نقول: شكراً لفخامة رئيس الجمهورية الإنسان والرجل والقائد، وشكراً ل”الجمهورية” المؤسسة والصحيفة والأم وبيتنا الكبير الذي نستظل تحته في ساعات المحنة وندعو الله أن يعيد إلينا الأستاذ عباس غالب من سفره سالماً معافىً ليواصل مشوار العطاء في بلاط صاحبة الجلالة من أجل قيم المحبة والسلام التي ينادي بها دائماً.