ليس للأشياء قيمة سوى لدى مستهلكيها فقط..!! عندما بعث الله الرسل خصّهم بمعجزات من جنس ما هو شائع ومستهلك ومتداول لدى أقوامهم، ولولا ذلك لما كان لمعجزاتهم سبيل إلى الإقناع، وكذلك ما دعوا إليه.. فموسى السحر وعيسى الطب ومحمد القرآن وأكثر ..و....و.....و إلخ. ولو دخلت مجلساً لا تتفق ثقافتك وتخصصك مع ثقافة الجالسين وتخصصاتهم, وأخذت تتحدث إليهم لكنت بلا ريب كمن يبحث عن القبعات في دنيا العمائم, وسلعتك بلا شك بائرة، أو كمن يضع المائدة على مقبرة ولأجل استيعابك يجب أن تحلّق مع السرب وإلاّ فأنت حالة لا حكم لها..!!؟ رغم ذلك فالاختلاف والتباين بين الناس علماً وذوقاً يؤلف وحدة المجتمع الذي سيُعاب إن لم يكن فيه هذا الاختلاف كما أنه يمنح الأشياء قيمتها، ولولا ذلك الاختلاف لبارت السلع ، كما أنّه السبيل الوحيد للتواصل مع الآخر وتأكيد وجوده.. وقد ترسخت عبر العصور حقيقة مفادها أن الصراع ثابت, ولأجل ذلك كان هناك التخصص الذي سيخفف من سخائم هذا الصراع؛ لأن اجتماع الناس يورث الأحقاد، خصوصاً حين ينعدم التنوع في التخصص، ولكن ما لا يدركه العالم العربي, وما يجب أن يُدركه بقوة أن الآخر هو جزء من حياتي، وجزء من عالمي الخاص، وهو في رقبتي على طول المدى، فلا يمكن أن أعيش بدون الآخر، ولا أستطيع حتى أن أمارس العبادة بدون الآخر أيّاً كان لونه أو دينه أو جنسه أو جنسيته أو عرقه أو معتقده. واختلافه عني هو الناموس الكوني الذي بني عليه هذا الكون والذي يقتضي التعددية وهو سر وجود الخلق واستمرار حياتهم.. والآخر فقط هو من يمنح وجودي قيمة وبدونه أنا لا أساوي شيئاً!. إن الحضارة الإنسانية ازدهرت وازدهت بالتنوع والأحادية لم تصنع إلا أفولاً وذبولاً، لذا فكم نحتاج لأن نختلف ونأتلف ما يمنح وجودنا قيمة وما يمنحه وظيفته الطبيعية.. ولنتيقن أن الوتر الواحد لا يصنع نغماً، والعصفور الواحد لا يصنع ربيعاً، والوردة الواحدة لا تصنع بستاناً..!! لماذا الآخر؟ سؤال لا يُجاب عنه إلاّ بسؤال آخر: لماذا الحب؟ لماذا الإنسانية؟ لماذا المجتمع؟ ولماذا تنتظم الأكوان وتتحرك وتسير إلى غاية؟ هنا يحين الجواب.. إن طلب التجمع أصيل في أعماق كل موجود، فهو عنوانٌ على الوحدة، وعلى وجود المتنوع من أبناء الأسرة الواحدة، وعلى رجوع الذرية إلى أمها الكبرى “الأرض”..!! [email protected]